تحرك اللحد – محمد مهدي الجواهري

كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ … واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا

وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ … وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ

لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم … لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر

إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها … سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر

تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ … فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر

مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ … تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا

وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ … شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر

إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ … أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر

أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها … ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر

ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها … يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر

مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها … فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر

ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا … وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر

طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه … على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر

وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً … لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر

وأنتَ يا بن ” سليمانَ” الذي لَهِجتْ … بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر

الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ … حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر

والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها … لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر

هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته … أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر

أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ … ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر

وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً … أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر

دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه … تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر

فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه … يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر

وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به … والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر

وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم … على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر

وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به … ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر

أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت … لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر

أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ … أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر

ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ … يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر

والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ … فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر

أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ … وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر

وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها … لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر

لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم … فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا

هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ … شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر

وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً … من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر

إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً … وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر

إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها … يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر

تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم … أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر

تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها … ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر

فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا … عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا

للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم … ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر

ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ … مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر

وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ … يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر

فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ … فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر

ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها … فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا

تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً … مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا

أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ … أم كانَ عن ” حِكمةٍ ” أو صحبِهَ خَبَر

واللهِ لاقتِيدَ “زيدٌ ” باسم ” زائدةٍ” … ولأصطلى ” عامرٌ ” والمبتغى ” عُمَر”

ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم … ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر

ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ … ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر

أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ … من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر

تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً … أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا