تأملات – إيليا أبو ماضي

ليت الذي خلق الحياة جميلة … لم يسدل الأستار فوق جمالها

بل ليته سلب العقول فلم يكن … أحد يعلّل نفسه بمنالها

للّه كم تغري الفتى بوصالها … وتضنّ حتى في الكرى بوصالها

تدنيه من أبوابها بيمينها … وتردّه عن خدرها بشمالها

كم قلت هذا الأمر بعض صوابها … فوجدته بالخير بعض محالها

ولكم خدعت بآلها وذمته … ورجعت أظمأ ما أكون لآلها

قد كنت أحسبني أمنت ضلالها … فإذا الذي خمّنت كلّ ضلالها

إنّ النفوس تغرّها آمالها … وتظلّ عاكفة على آمالها

حتى رأيت الشمس تلقي نورها … في الأرض فوق سهولها وجبالها

ورأيت أحقر ما بناه عنكب … متلففا ومطوّقا بحبالها

مثل الفصور العاليات قبابها … ألشامخات على الذّرى بقلالها

فعلمت أنّ النفس تخطر في الحلى … والوشى مثل النفس في أسمالها

ليست حياتك غير ما صوّرتها … أنت الحياة بصمتها ومقالها

ولقد نظرت إلى الحمائم في الربى … فعجبت من حال الأنام وحمالها

للشوك حظّ الورد من تغريدها … وسريكه من بعد إعرالها

تشدو وصائدها يمدّ لها الردى … فاعجب لمحسنه إلى مغنالها

فغبطتها في أمنها وسلامها … ووددت لو أعطيت راحة بالها

وجعلت مذهبها لنفسي مذهبا … ونسجت أخلاقي على منوالها

من لجّ في ضيمي تركت سماءه … تبكي علّي بشمسها وهلالها

وهجرت روضته فأصبح وردها … لليأس كالأشواك في أذغالها

وزجرت نفسي أن تميل كنفسه … عن كوثر الدنيا إلى أوحالها

نسيانك الجاني المسيء فضيلة … وخمود نارجدّ في إشعالها

فاربأ بنفسك والحياة قصيرة … أن تجعل الأضغا ن من أحمالها

زمن الشباب رحلت غير مذّمم … وتركت للحسرات قلبي الوالها

دّبت عقاربها إليه تنوشه … ورمت بقاياه إلى أصلالها

لم يبق من لذّاته ألاّ الرؤى … ومن الصبابة غير طيف خيالها

ومن الكؤوس سوى صدى رنّاتها … والراح غير خمارها وخيالها

يا جنّة عوجلت عن أثمارها … ولذاذة عربت من سربالها

ما عليها شيء سوى اضمحلالها … والذنب للأقدار في اضمحلالها

ومليحة في وجهها ألق الضحى … والسحر والصهباء

قالت: أينسى النازحون بلادهم ؟ … ما هاج حزن القلب غير سؤالها

الأرض ، سوريّا، أحبّ ربوعها … عندي ، ولبنان أعزّ جبالها

والناس أكرمهم علّي عشيرها … روحي الفداء لرهطها ولآلها

والشهب أسطعها التي في أفقها … ليس الجلال الحقّ غير جلالها

وأحبّ غيث ما همى في أرضها … حتى الحيا الباكي على أطلالها

مرح الصّبا الجذلان في أسحارها … ومنى الصّبا الولهان في آصالها

إني لأعرف ريحها من غيرها … بنوافح الأشذاء في أذيالها

تلك المنازل كم خطرت بساحها … في ظلّ ضيغمها وعطف غزالها

وشذوت مع أطيارها ، وسهرت مع … أقمارها، ورقصت مع شلاّلها

وسجدت للإلهام مع صفصافها … وضحكت للأحلام مع وزّالها

وملأت عقلي حديث شيوخها … وأخذت شعري من لغى أطفالها

تشتاق عيني قبل يغمضها الردى … لو أنها اكتحلت ولو برمالها

مرّت بي الأعوام تقفو بعضها … وثب القطا تعدو إلى آجالها

وتعاقبت صور الجمال فلم يدم … في خاطري منها سوى تمثالها