تأبين الغراف الميت – محمد مهدي الجواهري

عُمِرَتْ ديارُ شَراذمٍ دُخّال … أسفاً عليك وأنتَ قَفرٌ خالِ

عُمِرَتْ ديار ” الطارئين ” ونُكِّستْ … دورٌ شَراها أهلها بالغالي

بالروح يُزهقُها الغَيورُ على الحمى … والمالُ يبذله عدوُ المال

بدت البيوتُ الخاوياتُ حزينةً … محفوفةً بالشوكِ والأدغال

وكأنما شُرفاتها مغبرَّة … أشباحُ الآمٍ وَقفْنَ حيالي

يا عابرينَ على الطريقِ تلفتوا … وتَبَصَّرُوا بتقلُّبِ الأحوال

هذي البيوتُ الموحشاتُ عِراصها … كانت تُحَطُّ بها عصا التَرْحال

نُحرَتْ هنا كُومُ النياق وأوقدَتْ … نارُ القِرى للطارق المِحلال

هذي الديارُ ديارُ كلِّ سَمَيْذَعٍ … حامٍ لحوزةِ غابهِ رِئبال

هذي الديارُ ديارُ كل مُرَحِّب … بالوافدين مُشَمِّر السربال

ولقد يُرى في نِعمةٍ محسودةٍ … هذا الذي تَرثيِه في الأسمال

هذا المشرَّدُ كان مَأمَلَ طالبٍ … ومناخَ أطلاح وخدنَ عوالي

أسفاً يهدُّ الجوع منكَ بطولةً … يامعدِنَ الأشبالِ والأبطال

يا معدِنَ النَفَرِ الذينَ تقسَّموا … لسماحةٍ ورَجاحةٍ ونِزال

ذُخِرَتْ لأيامِ السرورِ فلائلٌ … نَزلتْ على الأوطانِ شرَّ عِيال

وبنوكَ قد ذُخِروا ليومِ كريهةٍ … وضريبةٍ و مجاعةٍ وِقتال

تلك السواعدُ فعمةٌ مفتولةٌ … أرخَتْ أشاجعَها يدُ الإقلال

ولقد وَقفتُ على مَصبِّك وَقفةً … لا ينمَحي تَذكارُها من بالي

أما مسيلُ الماء فيكَ فإنه … يَبَسٌ تعاورَهُ مسيلُ رِمال

أعيا لسانَ القولِ فرطُ تَلجْلُجٍ … فيه فساعدَهُ لسانُ الحال

خالستُ موقفَ صاحبي فوجدتُه … وهو الرزينُ مهيَّج البِلبال

ولقد يعزُّ على الشُعور وأهلِهِ … مرأى البلادِ بمثل هذي الحال

وفحصتُ أطرافي فكانت كلُّها … توحي الىَّ معرّة الإهْمال

يا ساكني ” الغراف ” ما قدرُ الذي … يأتيكُمُ من شاعرٍ قوّال

أو أبعثُ الأملَ المريحَ اليكُمُ … أنا مثلكُمْ متصدِّعُ الآمال

أنا مثلُكم أسلمتُ كلِّ عواطفي … لليأسِ يأخذُها بكلِّ مَجال

في ذمة التاريخِ ما جُرِّعتُمُ … من غُصَّةٍ ، في ذمة الأجيال

قد قلتُ للنَفَرِ القليلِ خِيارُهم … لو كانَ ثمةَ سامعٌ لمقالي

هاتوا من الأعمال ما يقوى على … تصديقِ بعضِ خوادِع الأقوال

أولا فانَّ الشعبَ دوّى يأسُه … اخشَوا عواقبَ يأسِه القَتّال

ما يمنعُ الساداتِ أن يتفكروا … بمصير أعبِدَةٍ لهُمْ ومَوالي

شعبٌ على شكلٍ تمشَّى حكمُهُ … أبداً برغم تخالُفِ الأشكال

وأمضُّ من قَحْط السنين بأمةٍ … مشلولةِ الأعمالِ قحطُ رجال

شعبٌ أراد به الوقيعةَ خصمُهُ … وبنوه فهو ممزَّقُ الأوصال

شُغِل الفراتُ بضيمه عن دجلة … ونسى جنوبيّ العراق شمالي

وإذا سألتَ الرفقَ كان جوابُهُم … ما للقلوبِ الموجَعاتِ ومالي