بم أستهل – محمد مهدي الجواهري

بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ ؟ … أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ

عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول … فاعلم بأني لستُ من أكفائه

هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى … جَلّى ، فكان الصبرُ من شهدائه

سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى … وهوى اليه وكان في جوزائه

ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا … أسفاً لواهُ الموت في نكبائه

نجم هوى من أُفقه فتناقصت … ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه

من كان يفترش الجْفُون وطاؤه … قد وسدته الترب غيرَ وِطائه

بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي … زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه

ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما … رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه

امجانباً عرض البسيط أعيذه … من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه

لكن رأى زمراً تمور وعالماً … خلط الظلال هديره بِرُغائه

فطواك في أحشائه متخوفاً … من أن يضيع الدُّر في حصبائه

هذا الربيع – وأنت من أزهاره … يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه

أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا … نُوارُه متفتحٌ بشذائه

ما اهتز نعشك يوم صفف عوده … الا لأنك كنت من خطبائه

يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما … يبكى لفقد وقاره وعلائه

قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةٍ … حتى يراك وأنت من بلغائه

لا توقظوه بالدموع فربّما … أغفى لطول سُهاده وعنائه

ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه … أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه

غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق … دفعاً لها فذوى بخضرة مائه

جاذبنه فضل الحياة فقصّرت … منه وما قصُرت فضول رادئه

قالوا أأعوزه الدواء جهالةً … ولربما مات الفتى بدوائه

يا أيها ” السلك ” المبلغ نعيَهُ … هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه

ركب تحمل والحِمامُ يسوقه … عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه

قلت : البشارةُ بالقدوم ، فهذه … أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه

فإذا على أسلاكه مهزوزةً … نبأ يرِن الحزن في أثنائه

عجباً له خِلو الحشا من لوعة … وجليلُ رزء الموت في أحشائه

قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة … جللٍ تحطُ البدر في عليائه

كالعود في أهزاجه ، والسهم في … إصماته ، والطَرفِ في إيمائه

متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما … يروي فصيح القول في فأفائه

لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه … وتراه محموداً على إفشائه

تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى … ما بين عودته الى إبدائه

ما كنت أعلم ” والغريُّ ” مَحِلّةٌ … لك أن ستقضي في ربى ” فيحائه “

كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى … ثوب المِحاق رعايةً لاخائه

لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم … يحللْ لغير الله عقد قَبائه

أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت … افلاذُه بالنار من صُعَدائه

أبكيه ريانَ الشباب ، رداؤه … نَضِرُ الصبِّا ، شَرِقٌ بحسن روائه

أبكيه منطوياً على نارين من … داء النَّوى ، وهو الأمضّ ، ودائه

أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ … ما بين أهليه ، الى رفقائه

أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا … وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه

تنتاشُه كفُ المنية صارماً … عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه

ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة … ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه

لا تسألنِّي عن ” أبيكَ ” فبعض ما … لاقاه أن بكاءَنا لبكائه

عين تسيل دماً لفقد سوادها … وحشىً يذوب أسىً على سودائه

والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ … فاذا استقلَّ فصبره بازائه

ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ … غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه

قالوا : ” الوباءُ ” فقلت من أدوائنا … وهو القتيل بهن لا بوبائه

رُحْ سالماً ، ودع الحياة لجاهل … وغروره ، أو عالم وريائه

والدين ، كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ … والفرق كلُّ الفرق عند أدائه

هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً … من حكم دهرك ، سادراً بشقائه

صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه … دهر يذوب الصبر في أرزائه

أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما … أعطى ، وكان الفضل في اعطائه

ولربما جزِع الفتى من علّة … كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه

صبراً وشافع من تسمّى ” محسنا ” … أملٌ بحسن الصبر عند بلائه

بالخلد عن هذي الحياة تصبراً … يُغنى وعن أكدارها بصفائه

إني نظمت الدمع فيه قصيدة … لما وجدت القول دون رثائه

وعلمت أن الخلد ملك ” محمد ” … فعسى أكون هناك من شعرائه

صبراً وإن ذهب ” العليُ ” وأنتم … ” بسعيد ” هذا الجيل من سعدائه

أحبابنا بين مَحاني العراقْ … كلفتُمُ قلبيَ ما لا يُطاقْ

العيشُ مرٌّ طعمهُ بعَدكم … وكيف لا والبُعْدُ مرُّ المذاق

أمنيَّةٌ تَستاقُها شقوة … آهٍ على أمنيَّةٍ لا تُعاق

كلُّ لياليكُمْ هنيئاً لكم … بيضٌ ، ودَهري كلُّه في مِحاق

لي نَفَسٌ كيف بتَصعيده … والشوقُ مني آخِذٌ بالخِناق

الله يَرعَى ” حَمَداً ” انه … غادرني ذكراه رهنَ السياق

هل جاءه ان أخاه متى … يَذكرْه يَشَرقْ بدموع المآق

يكفيكُمُ من لوعتي أنني … في فارس أشتاقُ قُطرَ العراق

لا سوحُها وهي جِنان زَهَتْ … بكلِّ ما رقَّ جمالاً وراق

ولا الربى مخضّرة تزدهي … حسناً حواشيها اللطافُ الرِقاق

خُطَّتْ على أوساطها خضرةٌ … سبحان من قدّر هذا النِطاق

تنال من شوقي وهل سلوةٌ … لمن قضى اللهُ له أن يُشاق

صبَّ الشتاء الثلج فوق الرُبى … يرفعُه فيها طباقاً طباق

حتى إذا الصيفُ انبرى واغتدتْ … تُصَبِّحُ الأرض بكأسٍ دهِاق

هبَّ عليلاً ريحُها لاصَحَا … زماسَ سُكراً روضُها لا أفاق

أحسن ما في وجهِ هذا الثرى … عيونُه لا رمُيتْ بانطباق

تجري وتجري أدمعي ثرةً … وأدمُعي أولى بشأو السباق

لمُ يحيِ هذا الماءُ مَيْتَ الثَرى … لو لم يكنْ ماءُ حياةٍ يُراق

ذكرتكُمْ والنفسُ مسحورةٌ … وللخُطى بين المروج إستراق

ليس يقي النفْسَ امرؤ من هَوى … إلا إذا كانَ من الموت واق