بكى لك العاليان القدر والهمم – ابن نباتة المصري

بكى لك العاليان القدر والهمم … و الماضيان سنانُ الرأي والقلمُ

و الوقت أغيد في أعطافه ميد … و العز أصيد في عرنينه شمم

و العقل يثني عليه الركب وا أسفاً … للعقل يثني عليه الأنيق الرسم

و الفضل ما بين موروثٍ ومكتسب … فحبذا هو نعتٌ لازم وسم

يا غائباً أظلمت دار لغيبته … وهكذا البدر تدجو بعده الظلم

يا من يعزّ علينا أن نفارقهم … وجداننا كل شيءٍ بعدكم عدم

رحلتَ عن عادمي صبرٍ وما قدروا … أن لا تفارقهم فالراحلون همُ

من للرئاسة فيها الجد أجمعه … وللسياسة فيها الصفح والنقم

من للوقار أمام الحجب يحجبه … وللفخارأمام الشهب يبتسم

من للسطور على صحف معذرة … تكاد بالقلب قبل الثغر تلتثم

من للحمى كف سار كف قاصده … سراً وجهراً فلا عُرب ولا عجمُ

مضى وغير عجيب أن يقال مضى … فانما هو عضبُ الملة الخذم

نح يا حمام مع الباكي على غصن … رطبٍ وقف بجمى لم يعفه القدم

أذكرتنا فقد يحيى يا محمده … وللجراح على آثارها ألم

ماذا تركت لأرض الشام من أسف … إذا تذكرت الأنساب والشيم

ماذا تركت بمصر من حقيق جوى … ياذا الشبيبة حتى آذها الهرمُ

لهفي على واحدٍ في العزم منفرد … كانت تقرّ لمسعى سعده الأمم

لهفي على قلم يهتز ثابته … في مهرق خافق الأعلام قد علموا

عطلت هذا وهذا إذ رحلت وقد … خاب الرجاء فلا بانٌ ولا علم

لهفي على أسطر سار البريد بها … تحت الظلام وفيها الكلم والكلم

و الخيل والليل والبيداء شاهدة … والضرب والطعن والقرطاس والقلم

لهفي على بيت فضل كان من زنة … في الشمل وهو كبيت الشعر منتظم

رماه بالنقص والاحزان حرف ردى … مغير فهو منقوص ومنثلم

لهفي على البدر منكم يا بني عمر … لا تستطيع نداه الأنجمُ الخدم

هوت معاليه حيث العمر مقتبلٌ … والسعد جار وأكناف العلى حرم

و الوجه ريان من ماءي حياً وضياً … حتى يكاد على الأعطاف ينسجم

مازال للسر قبر في جوانحه … حتى أتى القبر والأسرار تزدحم

بمثله يفخر الملك العقيم على … ماضٍ وأن النسا عن مثله عقم

عمري لقد صرخ الناعون في رجبٍ … فأسمعَ النوح شجواً من به صمم

و بالغ الحزن فينا ثم صبرنا … أن الطريق الى أحبابنا أممُ

مضى الأنام على هذا وساق بهم … حادي الردى وسنمضي نحن أثرهمُ

و المرء في الأصل فخار ولا عجب … ان راح وهو بكف الدهر منحطم

و للمنية فخّ من هلال دجى … شهب البزاة سواء فيه والرخم

قل للذي هزمت شحاً كتائبه … هل فاته من جيوش الموت منهزم

سقى ضريحك رضوانٌ ولا برحت … تنهلّ نافعة في تربك الديّم

حتى تنوّر أرض أنت ساكنها … نوراً ونوراً ويزهى القاع والأكم

ودام للناس باقي البيت ينشده … اذا سلمتَ فكل الناس قد سلموا