بعد المطر – محمد مهدي الجواهري
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما … مالا تُعاطيه كؤوسُ الرحيقْ
وبات إذ حطَّ بها ثِقْلَه … يكلِّف الأرض بما لا تُطيق
أوشكتِ القِيعانُ ، إذ فُتّحت … لها السما ، مما عراها تَضيق
واهتدت الشمس لتجفيفها … فابتعثتْ شكرَ النبات الغريق
الجوُّ زاهٍ ، والثرى فائحٌ … ومنظر الأرض لطيفٌ أنيق
والعُود يهتزّ لمرِّ الصَّبا … والروضُ من سَكرته لا يُفيق
والغيثُ يَهمي أين من صَفوهِ … وهو جديدٌ ، خمرُ دنٍّ عتيق
تفتَّحي خُضْرَ الرُّبى للنَّدى … في مَبسِم الفجر – متى شئتِ – ريق
وعطّري ريحَ الصَّبا بالشَّذى … وانفتقي عن فار مسك فتيق
كلُّ فصولِ الدهر لا تُشترى … بالنزْر من نَشْرِ شذاك العبيق
جاء الربيعُ الطلق فاستبشري : … غريمُكِ البردُ طريدٌ طليق
مثل الذي لاقيت من ذا وذا … يصدف في الدهر انفراجٌ وضيق
صوبَ الحيا رفقاً فكم لطمة … أنزلتها قسراً بخدِّ الشقيق
كأن نَضْحَ القَطْرِ من فوقه … ذائبُ دُرٍّ في أواني عقيق
إني تخالفت وزهرَ الرُّبى … والكلُّ منا ذو مزاج رقيق
أنفاسها نشرُ شذىً نافحٍ … وحرّ أنفاسي شواظُ الحريق
كلُّ وجوه الأرض مكسوَّةٌ … لفائفَ الأزهار حتى الطريق