بشرى جنيف – محمد مهدي الجواهري

مرحباً بالمتوج الغِطريفِ … حاملاً للعراق بُشرى جَنيفِ

ناهضاً بالثقيلِ من عِبء هذا … الوطن النَكدِ عابِئاً بالخفيف

رجلُ الأمَّة التي أنجبت الف … شريف من بيت هذا الشريف

واخو الوقفة الرهيبةِ والخطبة … تدوي في المحِفِلِ المرصوف

بلطيفٍ من التعابير يجري … في مَدَبٍ من الكلام لطيف

لغة الضاد في فم الملِك الفذِّ … تباهي بحسنِها الموصوف

واذا ما تفاضلوا فَضَلَ الجمعَ … بانقى مخارجٍ للحروف

وربيط الجَنانِ والميتهُ الحمراءُ … ترمي بها اكفُّ الحتُوف

ينقل الخطوَ فوقَ شِلوِ صديقٍ … او على مُخ صاحبٍ مقذوف

عالماً أنَّ خيرَ ما ركب المرءُ … إلى غاية متونَ السيوف

وطريقٍ مشى بها في سبيلِ العُرْبِ … بالشوكِ والأذى مَحفوف

داخلاً في مآزق ليس يخلو المرءُ … في مثلها من التّعنيف

بهرَ الساسةَ الدهاةَ حصيفٌ … ذائع الصيتِ بين كلِّ حصيف

لامعٌ في صفوفهمْ تقع العَينُ … عليه من دونِ مِن في الصفوف

لَمسوا منه في التصافُحِ كفاً … لم يَرَوا مثلَ وقعِها في الكفوف

خَبَّرتْ فوقَها خطوطُ السُلامياتِ … عن أيَّ ماهرٍ عِريّف

عن لطيفٍ في ساعَتيه مَهيبٍ … وأديبٍ في موقفَيه ظريف

وجَموعٍ للحالتين نسيمٍٍ … في ظروفٍ وعاصفٍ في ظُروف

وأرتْهم ملامحَ العَرب الماضينَ … سِيما هذا الطُوالِ النحيف

وجنةٌ تَنطف السرورَ عليها … مسحةُ الهادئ الغيورِ الأسيف

وجبينٌ كغُرّةً البدرَ فيه … أثرٌ للهمومِ مثلُ الكُسوف

لو اطاقَتْ فيه الغضونُ لقصَّتْ … عن عراكٍ مع الليالي ، عنيف

فهُمُ واثقونَ كلَّ وثوقٍ … أنهم واجدونَ خيرَ حَليف

لم يعُقْهُ أمرُ العراق وبُغيا … ثمرٍ للنهوض داني القُطوف

والرزايا تعِنُّ بين تليد … مُعجزٍ حلُّه وبينَ طَريف

عن أماني سورّيةٍ وقلوبٍ … من بنيها ترفُّ أيَّ رَفيف

إن في عيبة الملوك عهوداً … هو في رعيهنَّ جدُّ عفيف

عَبقاتٍ بذكر فيصلَ أيامَ … دمَشقٍ وعهدِه المعروف

ويكاد اللبيبُ يلمُسُ حباتِ … قلوبٍ على نِقاط الحُروف

لا تلُمْ سُوريا اذا بكت العهدَ … بجَفن المولَّهِ الملهوف

إنها ذكرياتُ أمٍّ رؤوفٍ … فَجعوها بواحدٍ مخطوف

مُتعَب الذهنِ بالسياسة لا ينُسيه … أثقالَها جِمالُ المصيف

عكفتْ أنفسٌ هناك على الأفراحِ … والأنسِ بين خَمرٍ وهيف

تاركاتٍ عبءَ البلادِ ثقيلاً … لغَيور على البلاد عَطوف

من دُعاة المألوفِ ما دام فيه … مظهرٌ لائقٌ بشَعبٍ أنوف

فإذا كانَ حِطةً وجموداً … فالعدوُّ اللدودُ للمألوف

وهو بين ذين لا بِعَنودٍ … في الذي يَبتغي ولا بعَسوف

حافِظٌ حُرمةَ الأنوف فإن هيجَ … تَوَلَّتْ يداهُ رغمَ الأنوف

لا برِخوِ اليدَين في نهزه الفُرصةَ … إنْ ساعَدَتْ ولا المكتوف

آخِذٌ بالذي يعِنُّ من الأمرِ … ويخشى مَغَبَّةَ التسويف

يتركُ العُنفَ ما استطاعَ قديرٌ … أنْ يَروضَ النفوس بالتَلطيف

لا أُحابيكَ سيدي وأُراني … لستُ في حاجةٍ إلى التعريف

أنتَ قَبْلَ الجميعِ تَعرِفُ أني … في شعوري أجري على المكشوف

سيدي ليس يُنكِرُ الشعبُ ما قمتَ … بهِ نحوهُ من المعروف

والمساعي التي تَجَشَّمْتَ فيها … ألفَ هولٍ وألْفَ أمرٍ مُخيف

إن ما بين حالَتَيْهِ لَفَرقاً … مثلَ ما بين مشِيةٍ وَوُقوف

وهو يَجزيْك بالجميلِ من الفِعْلِ … جميلاً من الثناء المنيف

قدرت سَعيَك البلادُ فجاءتكَ … أُلوفاً متلُوَّة بألوف

ولأمرٍ يَدوي الفضاءُ هُتافاً … من مُحييَّك فوقَ كلِّ رَصيف

حيث غصَّت بفُرجة الناسِ بغدادُ … وغصَّت بيوتُها بالضيوف

وتبارَى الوفودُ من كل فَجٍّ … كلُّ فرد مُشفَّعٌ برديف

حاملاتٍ اليك تسليمةَ الأهلينَ … من كلّ قريةٍ أو ريف

غيرَ أنَّ البلادَ مازال فيها … أثَرٌ للشَّقاءِ غيرُ طفيف

زُمْرَةٌ ضِدُّ زمرةٍ ولفيفٌ … تَعِبُ النفسِ في انتقاصِ لفيف

وقويٌ باسم الضعافِ مجيلٌ … ظُفْرَهُ في محزِّ ألفِ ضعيف

وأكفٍ شَتَّى تدبّرُ شتّى … لُعبَةٍ من وراءِ شَتَّى سُجوف

ولأنْتَ القديرُ بالرغم مما … عِشْتَ من جَمْعِنا على التأليف

ليس هذا المريضُ أوّلَ من عُولِجَ … من دائِهِ العُضالِ فَعُوفي