ايها المتردون – محمد مهدي الجواهري
أساتذتي أهلَ الشعورٍ الذينَ هُمْ … مناريَ في تدريبتي وعمادي
أروني انبلاجا في حياتي فانَّني … سئمتُ حياةً جُلّلتْ بسواد
وما الشاعرُ الحسَّاسُ صِنوٌ لِعيشةٍ … مكرَّرةٍ مخلوقةٍ لجماد
خذوا بِيدَيْ هذا ” الغريب ِ” فانَّه … لكلِّ يدٍ مُدَّتْ إليه مُعادي
لئن جئتُ عن أزمانِكمْ متأخراً … فإنّي قريبٌ منكمُ بفؤادي
لغيرِ زمانٍ كَوَّنَ الدهرُ نزعتي … وكوَّنَ أعصابي لغير بلاد
وعنديَ منكمْ كلَّّ يومٍ مَجالسٌ … ترفُّ بها أرواحُكم ونوادي
معي روحُ “بشَّارٍ” وحَسبْي بروحه … تقرّبني من حكمةٍ وسَداد
تعّلِمني سُخفَ القوانينِ في الورى … وسوءَ نظامٍ لم يجئ برشاد
وطوراً مع الشَّهم الظريف ” ابن هانيءٍ ” … يراوح خمَّاراً له ويغادي
يسجّل ما احصْت يداه بدقَّةٍ … ويمزُج منه صالحاً بفساد
ومن قبلُ ” للحاناتِ” كانت ولم تزلْ … لدى الشعراء النابهينَ أيادي
تعوِّضهمْ عن وحشةٍ بانطلاقةٍ … وعن يقظةٍ مذمومةٍ برقاد
أساتذتي ، لا تُوحِدوني فانَّني … بوادٍ وكلُّ الشاعرين بوادي
ولا تعجبوا أنَّ القوافي حزينةٌ … فكلُّ بلادي في ثيابِ حِداد
وما الشعر إلاَّ صفحة من شَقائها … وما أنا إلاَّ صورة لبلادي
فلا تذكروا عيشي فانَّ يراعتي … تَرفَّعُ عن تدوينه ومدادي
أمرُّ مَن المِلح الأُجاج مواردي … وأرجعُ من شوكِ القتادةِ زادي
تقدَّمني مَن لستُ أرضى اصطحابه … وطاولني من لم يكنْ بعدادي
وضُويقتُ حتى في شعوري وإنَّما … شعوري ّبُقيا عُدَّتي وعتادي
وما لذَّةُ الدُّنيا إذا لم أكن بها … أُمتَّع في تفكيرتي ومرادي
وما أنا بالحُرِّ الذي ينعتَونه … إذا لم يكن في راحَتَيَّ قيادي
أُصرِّفُه فيما أروم وأشتهي … وأبذلُ فيه طارفي وتلادي
وماذا يريدُ الناسُ مني وإنَّما … ” لنفسي صلاحي أو عليَّ فسادي “
فلا تَنشُدوا حُريّةَ الفكر إنَّها … “ببغدادَ ” معنى نكبةٍ وصفاد
فما كان بشَّارٌ بأوَّلِ ذاهبٍ … ضحيَّةَ جهلٍ شائنٍ وعناد
إلى اليوم في” بغداد ” خنقُ صراحةٍ … وتعذيبُ الافٍ لأجل أحاد
مداخلةٌ في مجلسٍ ومساربٍ … وتضييقةٌ في جِيئةٍ ومَعاذ
وخلّوا اهتضامَ الشعر إنَّ حديثَه … شجونٌ ، اقضَّتْ مضجعي وَوِسادي
خلَتْ حَلبةُ الآداب إَّلا هجائناً … ملفَّقَةً سدَّتْ طريق جياد
تشكَّى القريضُ العابثين بَحقله … كما يتشكَّى الروضُ وقعَ جراد