اليأس المنشود – محمد مهدي الجواهري

رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا … شَرٌّ من الشرِّ خوفٌ منه ان يقَعا

شَرٌّ من الأمَلِ المكذوبِ بارقُه … ان تحمِلَ الهمَّ والتأميلَ والهَلَعَا

قالوا ” غدٌ ” فَوَجَدتُ اليَومَ يفضُلُه … و ” الصبر ” قالوا : وكان الشَهمُ من جَزعاً

ولم اجدْ كمَجالِ الصَبرِ من وَطَنٍ … يَرتادُه الجُبْنُ مصطافاً ومُرتْبَعَا

وأنَّ من حَسَناتِ اليأس أنَّ له … حَدّاً ، اذا كَلَّ حَدُّ غيرهُ قطَعَا

وأنَّه مُصحِرُ الارجاءِ لا كَنَفاً … لمن يَلَصُّ ولا ظِلاً لمنْ رَتعا

وَجَدْتُ أقتَلَ ما عانَت مصايُرنا … وما التَوَى الشَيبُ منه والشَبابُ معا

أنَّا رَكِبِنا إلى غاياتِنا أمَلاً … رَخواً إذا ما شدَدْنا حَبلهُ انقطعا

نسومُه الخَسْف ان يَطوي مراحلَنا … وإن تشَكَّى الحَفَا ، والأينَ ، والضلعا

هذا هو الأمَلُ المزعومُ فاقتَرِعُوا … واليأسُ أجدَرُ لو انصَفْتَ مُقتَرعا

اليأسُ أطعَمَ بالأشْلاءِ مِقصَلةً … عَدْلاً وطوَّحَ ” بالبستيل ” فاقتَلَعا

وطارقٌ منه اعطَى النصرَ كوكَبُه … نَزْراً وعَدَّى إلى الاسبانِ فانَدفَعَا

يا نادِبينَ ” فِلَسطينا “وعِندَهُمُ … عِلْمٌ بانَّ القضاءَ الحتمَ قد وَقعا

كم ذا تُلحُّون ان تَستَوقِدوا قَبَساً … من الرَمادِ ومِمَّن ماتَ مُرتَجَعا

كَفَى بما فاتَ مما سميت ” املا ” … من ” الحُلول ” التي كيلتْ لكُم خُدعا

جيلٌ تَصَرَّمَ مذ أبْدَى نَواجذَه … وعدٌّ لبلفورَ في تهويدِها قَطعا

نَمَا وشَيبَّ بأيدي القَوم مُحتَضنَاً … ومن ثُدِيِّ النتاج المَحضِ مُرتَضعا

والساهرونَ عليه كلُّ ” منتخَبٍ ” … يبني ويهدِمُ ، إن اعطى وان مَنعا

تهوِي ” العروشُ ” على أقدامهم ضَرَعا … وتحتمي ساسةُ الدنيا بهم فَزَعا

وعندَنا ساسةٌ سؤنا لَهُم تَبَعاً … ذُلاً ، وساؤوا لنا في الهدي مُتَّبعا

من كل مُرتَخَصٍ إن عبَّسَت كُرَبٌ … او كشَّرَ الخطبُ عن شدقيهِ فاتَّسَعا

ردَّ المصيبةَ بالمنديلِ مفتخراً … مثلَ الصبايا – بانَّ الجفن قد دَمعا

او عابث ٍ من فِلَسطينٍ ومحنتِها … ألفى مَعيناً ، فالقى الدَلوَ وانتزَعا

او سارقٍ لا لقَعر السِجنِ مَرجِعهُ … لكنْ إلى الجاهِ وَثّاباً ومُرْتفِعا

شَدُّوا بذيل غُرابٍ امَّةً ظُلِمَت … تطيرُ ان طارَ او تَهوي إذا وقَعَا

وَخوَّفوها بـ ” دُبٍ ” سوف ياكلُها … في حين ” تسعون عاما ” تألفُ السَبُعا

وضيَّقوا أفقَ الدنيا باعينِها … مما استجدُّوه مِن بغيٍ . وما ابتُدعا

و اودَعوا لغلاظٍ من ” زَبانيةٍ ” … حَمْقى حراسة قِرطاسٍ لهم وُضِعا

وذاك معناهُ أنْ بيعوا كرامَتكُم … بيعَ العبيد بتشريعٍ لكم شُرِعا

يا نادبينَ فلسطيناً صدعتُكُمُ … بالقول لا مُنكَراً فَضْلاً لكم صَدعا

ولا جَحوداً بان الليلَ يُعقبه … فَجرٌ تفجَّّرُ كمه الشمس مُطَّلَعا

ولست أنكِرُ أن قد قارَبَتْ فُرَصٌ … واوشكت مثقلاتُ الدَهر ان تَضَعا

لكن وَجْدتُ القوافي تَشْتَكي عَنتاً … والمنبرَ الحُرَّ يشكو فَرطَ ما افترعا

إن تحمَدوا او تذُمُّوا أنَّ شافعتي … أنّي رأيتُ ، وما راءٍ كمَن سَمِعا

مررت بالقوم ” شُذّاذاً ” فما وقعت … عيني على مُستمنٍّ غيره ضَرعا

ولا بمُلْقىً واهليه بقارعةٍ … ولا بحاملة في الكُور مَن رضَعا

ولا بمن يحرِس ” الناطورُ ” ارجلَهُم ” … مهروءة سَهَّلت للكلب منتزَعا

وعندنا ” سِلعةٌ ” تُصفي البنينَ لنا … نُغلي – ونُرخصها – في الأزمة السِلعا

وجدتُها عندَهم زهواً منورةً … البيتَ ، والبحرَ ، والاسواقَ والبِيَعا

بينا تُراقص بالانغام صاحبَها … اذا بها تُوسِع ( الالغامَ ) مُزدَرَعا

ونحن ما نحن قطعانٌ بمَذْأبَةٍ … تساقَطت في يدَي رُعيانِها قِطَعا

في كل يومٍ ” زعيمٌ ” لم نجدْ خَبَراً … عنه ، ولم ندر كيف اختيرَ واختُرِعا

اعطاهموا ربُّهم فيما اعدَّ لهُم … من الولائم صَفّوا فوقَها المُتَعا

كأسَينِ ، كاساً لهم بالشُهد منزعةً … وللجماهير كأساً سَمُّها نَقَعا

قتالةً خوف ان لا تُستَساغَ لهم … اوصاهُمُ ان يُسَّقَوهم بها جُرَعا

وان يَصُبّوا عليها من وُعودِهُمُ … كالشِعر مكتمِلا – سهلاً ومُمتنِعا

من ذا يرُدُّ لنا التاريخَ ممتلِئاً … عِزاً وإن لم نُرِدْ ردّاً ومرتَجَعا

كانوا يذمُّون ( ربّاً ) بالعصا قُرِعا … ويغضَبون لأنفٍ منهم جُدِعا

ويبعثَون قِتالاً أنَّ ” قُبَّرةً ” … ضيمَت وأن ” بَسوساً ” ذيلُها قُطِعا

وكانَ من فتْحِ عمّوريةٍ مَنَعت … حُماتَها حَوَّمَ العقبان أنْ تَقَعا

نداءُ صارخةٍ بالرومِ ” معتصِماً ” … لم يألُ ان ادركَتْها ( بُلْقُه ) سَرعَا

حميَّةٌ لو اخذناها ملطَّفةً … بالعلم طابَت لنا رِدءاً ومُدَّرَعا