الملك حسين – محمد مهدي الجواهري

أرى الشعبَ في أشواقه كالمعلَّقِ … لَما حدَّثُوه عنكَ يرجو ويتَّقي

يغالط نفساً فيكَ إن قيلَ لابثٌ … يكذِّبُ أنْ قالوا سيأتي يصدِّق

صبَتْ لك أنحاءُ العراق وفتِّحَت … للُقياكَ صَدرَ الوالِهِ المتشوِّق

وأجدرْ بأن يشتاق مثلُك مثلها … وأنعِمْ بأن تحنو عليها وأخلِق

سَرَت بُردُ الأشواقِ تحمِلُ طَيَّها … تحياتِ خُلصانٍ شديدي التعلّق

ر|طاباً كأنفاس النسائم سَحرةً … عِذاباً كماء الرافدين المصفقَّ

وقد سَمَتْ الزَوراءُ ترفَعُ رأسَها … على الأرض تِيهاً مثلَ نَسر مُحلِّق

وتفخَرُ أن نالَتْ بتفضيل أرضِها … على سائر الجاراتِ حظَّ الموَّفق

فقد نافسَتْ بغدادُ بطحاء مكّةٍ … وقد غبرَّت بغدادُ في وجهِ جِلَّق

وقد حَسَدَت بغدادُ شَتى عواصمٍ … من الشرق لم تنعُمْ بهذا التفوُّق

ولو نَطَقتْ قالتْ هَلمَّ لمَصبحٍ … جميلٍ على الشطَّينِ مني ومَغْبِق

هلمَّ فعندي مُشتهى كلَّ ماجدٍ … ومن كلِّ ذوق طيّبٍ فتذَّوق

فحقِّقْ لها أمنيةً فيكَ تَستَعضْ … بها عن أمانٍ جمةٍ لم تُحقَّق

وأدخلْ عليها فرحةً فهي بَلْدةَ … بها ثارت الأتراحُ ثورةَ مُحنَق

تمشَّت بها تعتاقُها عن نُهوضِها … خطوبُ الليالي زَردَقاً بعد زَرْدَق

أبغدادُ وهي القحمةُ السِنِّ خِبرةً … تَلَهَّى بألعابٍ كطفلٍ مُحمَّق

توقِّعُ باليمنى صكوك انعتاقِها … وتُومي لها اليسرى بأن لا تصدِقي

وتَفشلُ اسبابٌ لترقيع وحدةٍ … تمزِّقُها الأضغانُ شرَّ مُمزَّق

وشعبٍ تُمشيِّه السياسةُ مُكرهاً … على زَلَقٍ من حُكمها كيفَ يَرتقي

سلامٌ على شيخ الجزيرة كلِّها … سلامٌ على تأريخِه المتألِّق

سلامٌ عليه يوم شطَّت رِكابُهُ … سلامٌ عليه يومَ نحظَى فنلتقي

سلامٌ على عُمرٍ تَقَضَّى بصالحٍ … سلامٌ على ما فات منه وما بَقى

أبا فيصلٍ بعضَ التعزي فكم رَمَت … شهامةُ قومٍ شملَهمْ بالتفرّق

وقبلَك غمّت عزةٌ رَبَّ كندةٍ … وشرَّد صونُ العرض رَبَّ الخَورَنق

وما قَدْرُ عُمرِ المرءِ إن لم يُرَعْ به … وما طيبُ عيشِ المرء إن لم يُرَنَّق

أبا فيصلٍ إن الحياةَ ثقيلةٌ … على غير مذمومينَ وغدٍ وأحمق

سلِ القومَ ما معنى المرونةِ تختبرْ … تُستِّرهم عن خِسّةٍ وتَملُّق

وعن ذمِّ محمودٍ لفرط مَنَاعةٍ … وعن حَمد مذمومٍ لفرطِ التحذلُق

يسفُّون بالأخلاقِ إذ يُطلقونها … على كلِّ ما يَزري بحُرٍ مخلَّق

أبا فيصل أشجى التحايا تحيةٌ … تمازجها الذكرى بدمعٍ مُرقرٌق

تحيةُ مشتاقٍ لو اسطاع نُهزةً … تلقّاكَ من غر القوافي بفيلَق

أخي عاطفات لم يَشُنها تكلُّفٌ … وذي خُلُقٍ لم يُمتَهنْ بتخلُّق

لقد هزّت الأشواقُ قلباً عهِدتُهُ … إلى غيرِ أربابِ العُلى غير شيِّق

ونفساً على أن لا تزالَ أمينةً … أخذتُ عليها كلَّ عهدٍ وموثَّق

ولي فيك قبل اليوم غُرُّ قصائدٍ … كفاها سموّا أنها بعضُ منطقي

من اللاء غذّاها ” جرير ” بروحه … ولاءَمَ شَطرَيها نسيج ” الفرزدق”

شربنَ بماء الرافدين وطارَحَت … بأسجاعِها سجعَ الحمام المطوَّق

ومن قبل كانوا إن أرادوا انتقاصةً … من الشِعر قالوا عنه لم يتعرَّق

فان لا تبذَّ المفلقينَ فانّها … يقصِّرُ عنها شاعرٌ غير مُفلِق

سهرتُ لها الليلَ التّمام اجيدُها … أغوصُ على غُرِّ المعاني فأنتقي

وأحبِبْ بها من مُورقاتٍ عزيزةٍ … عليّ وبي من مُستهامٍ مؤرَّق

فجئتُ بها مبغى أديبٍ مقدّرِ … ومنعى حسودٍ موَغرِ الصدرِ أخرق

وجاءوا بمرذولِ القوافي كأنما … ” مركبةٌ أبياتها فوق زِئبق”

وحسبكَ من خمس وعشرين حجةً … بها الشيخ ذو السبعين من حَنَقٍ شَقِي

يقول وقد غطَّى شُعاعي بصيصَه … ترّفقْ وهل لي طاقةٌ بالترفّق

فيا أيها الشعرُ الجميل انحطاطةً … بغيضٌ إلى قلب الحسود تفوُّقي

مكانَك قِفْ بي حيثُ أنتَ فحسبُه … وحسبُك من شَوط تقدَّمتُ مالقي

إذا قال شرِّقْ لا تغرَّبْ إطاعة … وإن قال غرّبْ فاحترس لا تشرّق

وإن قال رِّفةْ عن حياتي فرأفةٌ … وإن قال دع لي فرجةً لا تضيِّق

وعنديَ من لفظٍ جزيلٍ وصنعةٍ … لبابٌ وطبعٌ كالُمدام المعتَّق

خوافٍ بشعري حلَّقت وقوادمٌّ … وما خيرُ شعرٍ لم يَطرِ فيُحلِّق

إذا ما تبارَى والقوافي بَحلْبْة … صَرختُ به إن كنتَ شعري فأسِبق

ولم لا يسيل الشعرُ لُطفاً ورقةً … إذا كان من فَيض القريحة يستقي

يجيء به النسجُ الرقيقُ مُهَلْهَلاً … كمُوشِيِّ روضٍ أو كثوبٍ منَمَّق

ويُردفهُ صوبُ المعاني فيزدَهي … زَها الروضُ عن صوب الحيا المتدِّفق

وإن ضاعفتَه مسحةُ الحزن رَونقاً … فمن فضلِ أشجان أخذْن بمخنِقي

فمن يَتنَكَّرْ من همومٍ فإنني … لأنكِر أن أعتادَ غيرَ التحرُّق

وأنكرُ نفسي أن تُرى في انبساطةٍ … وأُنكر صدري أن يُرى غيرَ ضيق

أخِفُّ إلى المرآة كلَّ صبيحةٍ … أرى هل أشابَ الهمُّ بالأمس مفرِقي