الكمنجة المحطّة – إيليا أبو ماضي
شاهدتها كالميّت في اكفانه … فوجئت إلاّ عبرة أذريها
مهجورة كسفينة منبوذة … في الشّطّ غاب وراءه ماضيها
نسجت عليها خيوطها … و كسى الغبار غلالة تكسوها
أقوت و باتت كالمسامع بعدها … لا شيء يطربها و لا يشجيها
و كأنّها ، في صمتها ، مشدوهة … أن لا ترى بهتافها مشدوها
لاحسّ في أوتارها ، لا شوق في … أضلاعها ، لا حسن في باقيها
فارزح بحزنك ، يا حزين ، فإنّها … لا تنشر الشّكوى و لا تطويها
و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى … فالنّفس يشفقيها الذي يرديها
لله عهد مرّ لي ظلّها … أبكى عليه و تارة أبكيها
كانت كأنّ ضاوعها موصوله … بأضالعي و سرائري في فيها
كم مرّة حامت غرابيب الأسى … لتقيت من قلبي الجريح بنيها
فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها … سور يصون حشاشتي و يقيها
كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت … نفسي همومما أوشكت تبليها
فإذا أنا مثل البنفسجية التي … ذبلت فباكرها النّدى يحييها
و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى … و حفيفها في نغمة توحيها
فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء … بالخمر أترع كأسه ساقيها
ورأيتني من جنّة سحريّة … لا يرتوي من حسنها رائيها
و لمحت أحلام الشّباب مواكبا … تتلاى أمامي و الهوى حاديها
سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى … لا كفّ تثبتها و لا تمحوها
و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى … عند المسا في أنّه تزجيها
فذكرت ثمّ محاسنا الثرى … غابت و شوّهها البلى تشويها
فإذا أنا كالسنديانه شوشت … أغصانه الريح التي تلويها
أو كالسفينة في الضباب طريقها … ضلّت ، و غابت أنجم تهديدها
شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع … لسكونها جزع الغدير أخيها
ما أن سمعت أنينه و نشيجه … إلاّ و يعرو النفس ما يعروها
روّى الثرى ، يا ليت روحي في الثرى … أو في النبات لعلّة يرويها
يا صاحبيّ ، و في حنايا أضلعي … همّ يكظّ الروح بل يدميها
إنّ التي نقلت حكايات الهوى … لم يبق غير حكاية ترويها
كمدينة دكّ القضاء صروحها … دكّا و كفّن بالسكوت ذويها
نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى … ما كان أهونها على ناعيها
لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا … و عويلها ، إنّ الصّبا ترثيها
لو تسمعان نجّيها متمشّيا … كالسّحر في الأرواح يستهويها
لعلتما أنّ القضاء اغتالها … كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها
كلمات: فيصل اليامي
ألحان: وليد الشامى