الروضة الغناء – محمد مهدي الجواهري

نسجَ الربيع لها الرداء الضافي … وَهَمَتْ بها كفُّ الحيا الوكّافِ

فضَّت بها عذراءَ كلِ سحابة … خطرت فنبهتِ الهزار الغافي

قضّى الربيع بها ديون َ مصيفها … من سَح كل مُدرة الأخلاف

الحب ما ضَمِنت ضُلوع سمائها … للأرض لا ما يدعيه الجافي

قلب كما اتَّقدت لظىٍ، جوانحٌ … رَعْدٌ ، وجَفْنٌ دائم التَّذراف

ان الذي قَسم الحظوظَ مواهباً … أعطى الربيع نِقابة الأرياف

وكأنما لبست به أعطافها … حُللا يُوشِّها الَّحاب ضوافي

وكأنما هَزَجُ الرعود إذا حَدّتْ … ركب َ السحاب ، بشائر الألطاف

وكأنما العُشبُ النضير خمائلٌ … ومن الورود لها طِراز وافي

وكأن مياسَّ الغُصون إذا انتشى … غِبَّ السحاب يُعبُّ صِرف سلاف

وكأن مختلف الورود صحائفٌ … فيها تُخط بدائع الأوصاف

وكأن خلاّق الطبيعة شاعرٌ … نَظَمَ الرياض قصائداً بقوافي

وتلبد الجو المغيم كأنه … قُطرٌ عرته سياسة الإجحاف

وكأنما الماء النمير مهند … للمَحْل تصقُله يد الإرهاف

وكأنه سَلَبَ الاصيلَ رداءه … او دسّ قرنَ الشمس في الأجراف

أين الصفي سرائراً وخلائقاً … يحكي لنا لُطْفَ النمير الصافي

مترقرقاً تلقى السماء بأرضه … لو لا خيالُ تشابك الصفصاف

وتخال ان لمعت حَصاهُ لآلئاً … تُجْلى بكف النيْقدِ الصرّاف

ترتد عنه الطير وهي مُليحة … مما عليه من الجلال الطافي

اوحى النسيم إليه أ عواصفاً … بعدي فأرجف خِشية الإرجاف

واهتاج حتى ود أن ضفافه … سالت فلم يُصبْحْ رهين ضفاف

ليت الذي قاد الزعازع ردّها … عن مثل هذا الجوهرِ الشفاف

الروضةُ الغناء مفرشُ لذتي … حيثُ الخيالُ مطَّرزُ الأفواف

تتساند الاعشاب في جَنَباتها … فترى القويَّ يَشُدُّ إزر ضعاف

باكرتُها والنجمُ متقدُ السنا … لِهثٌ وقد ضرب الدجى بسِجاف

والطيرُ يكتُم نطقه متحذراً … خوف انتباه الصبح للأسداف

حتى إذا ما الفجر حان نشوره … وسطا الصباح بجيشه الزحاف

خلعت عليه ذُكا ملاءة نورها … فتباشرت منها ربّى وفيافي

فاخذت انشدها وعندي هاجس … أخذ الهمومَ عليَّ من اطرافي

لو شاء من ضم الأزاهر لم تكن … لتعيثَ في الأكوان كف خلاف

وِلِما تزاحمت القوى وتهافتت … منها سِمانٌ لانتهاك عجاف

متكالبين كأنَّ رب لغاتهم … ماخط فيها لفظة الإنصاف

لو أن ألقاب الورى في قبضتي … حلَّ الوضيعُ محَلَّة الأشراف

لو كان في مال الغنىِّ لمعوزٍ … حق لسادت عيشه بكفاف

يسمو الغني على المُقل وعنده … ان الثراء قوادم وخوافي

عاثوا بشمل الاجتماع فحبذا … يومٌ يَعيث القصد بالإسراف

خير من الأشر الضنين صعالك … لا يسألون الناس بالألحاف

لِتبَجلِّ الناس الغنيَّ فانني … كلفٌ بتبجيل الفقير العافي