الأوباش – محمد مهدي الجواهري

جهِلنا ما يُراد بنا فقُلنا … نواميسٌ يدبِّرها الخفاءُ

فلما أيقَظَتْنا من سُباتٍ … مكائدُ دبَّرتها الاقوياء

وليس هناكَ شكٌ في حياةٍ … تدوسُ العاجزين ولا مِراء

لجأنا للشرائعِ بالياتٍ … لتحمِينا وقد عزَّ احتماء

فكانتْ قوَّةٌ أخرى وداءُ … رَجَونا ان يكونَ به الدواء

حثيثٌ سيرُهنَّ إلى ضعيفٍ … تلقَّفُه وعنْ أشِرٍ بِطاء

تسيرُ وشأنَها حتى اذا ما … تصدَّتْ قوَّةٌ فبها التواء

وقام السيفُ يُرهِب دفَّتيها … تؤيِّدهُ ميولٌ وارتشاء

إذا لم تُرضِه منها سطورٌ … تولَّتْ محوَ ما فيها الدِّماء

فيا أضحوكةَ السيفِ المُدَّمى … تفايضَ مِن جوانبكِ الغباء

أتُصلِحُ ما الطبائعُ أفسدتَه … قوانينٌ مفسَّخةٌ هُراء

وماذا غيَّرتْ نظمٌ وهذي … حياتُكَ جُلُّ ما فيها شقاء

وما عُدِم الهناءُ بها . ولكنْ … تُنوزِعَ فيه فاحتُكِر الهناء

ولم تتفاوتِ الطبقاتُ إلاّ … لتنحصرَ الرَّفاهةُ والنَّماء

وما اختلفت عصورٌ عن عصورٍ … نعم غطَّى على الصُوَرِ الطِّلاء

فسوقُ الرِّق لم يكسُد ولكن … تبدَّلَ فيه بيعٌ أو شِراء

وقد قمتْ على التشريعِ سوقٌ … بها احتشدتْ عبيدٌ أو إماء

ولكنْ تحت أغطيةٍ وماذا … ترى عينٌ لو انكشفَ الغِطاء

ترى أبداً رعايا أذكياءً … تسوسُهمُ رُعاةٌ أغبياء

وأحراراً رجالاً أو نساءً … تُسخِّرهم رجالٌ أو نساءٌ

فتفتقرُ المواهبُ والمزايا … وتندَحرُ العزيمةُ والفَتاء

وتخمُد جذوةٌ لولا تردِّي … نظاماتٍ لألهبها الرَّجاء

يُزهِّد في المحامدِ طالبيها … يقينٌ أنَّ عُقباها هباء

فقد تأتي الفظيعَ ولا عقابٌ … وقد تُسدى الجميلَ ولا جزاء

وتتَّفقُ المجاعةُ والمزايا … وتلتئِم المحاسنُ والعراء

وفي التاريخِ أتعابٌ كِثارٌ … مضتْ هدَراً وطار بها الهواء

وأعمالٌ مشرِّفةٌ ذويها … تولاَّها فضيَّعها الخفاء

وأُخرى جرَّ مغنمَها دنيٌّ … فسرَّته ، وصاحبُها يُساء

تكون وقاحةٌ فيود مرءٌ … لو أنَّ مكانَها كانَ الحياء

فان وُجِدَ الحياءُ سطا عليه … فسخَّرهُ أناسٌ أذكياء

مزاحمةً كأنَّ دهاءَ مرءٍ … وطِيبةَ نفسهِ ذئبٌ وشاء

وكلُّ محسِّنينَ إذا استتمّا … فخيرُهما لشرِّهما الفداء

وإن أشرَّ ما يلقى أريبٌ … وأوجعَ ما يَحار به الدَّهاء

نفوسٌ هدَّها شرفٌ ونبلٌ … وأرهقها التمنُّعُ والإِباء

وقد عاشت إلى الأوباشِ تُعزى … وماتتْ وهي مُعدَمةٌ خَلاء

وأُخرى في المخازي راكساتٌ … كأصدق ما يكونُ الأدنياء

مشتْ في الناسِ رافعةً رؤوساً … تنصِّبُها كما رُفعَ اللواء

فلا الأرضونَ قد خُسِفت بهذي … ولا هذي أغاثتها السماء

أتعرف من هم الأوباشُ ” زَولا ” … يُريكهم ُ كأحسنِ ما يُراء

يُريكهمُ أُناساً لم يُلَصَّقْ … بهم غدرٌ ولم يُُنكر وفاء

تطيحُ بيوتُهمِ حِفظاً لبيتٍ … يضمُّهم وصاحبَه – الإِخاء

أتعرفُ ” لانتييهِ ” وما أتاهُ … من الشرفِ الذي فيه بلاء

وهل شرفٌ بلا نكَدٍ وضُرٍّ … يُتمِّمُ خِلقةَ الشرف العناء

تولَّت ” لا نتييهِ ” يدُ الرزايا … وأنشبَ فيهِ مِخلَبه ” القضاء “

قضاء الله قلتُ ..وإنْ تُرِدْه … قضاء حكومةٍ فهما سواء

ودَهْورهَ الوفاءُ ونعمَ عقبى … الصداقةِ أنْ يدهوركَ الوفاء

ومنْ يذهبْ بثروتهِ ضمانٌ … لصاحبهِ فقد حسُنَ الجزاء

وقامتْ صيحةٌ من كلِّ بابٍ … تراجَع ْ ” لانتييهِ ” فلا نجاء

ستعلمُ أينَ أهلُ المرءِ عنه … وإخوتُه ، إذا ذهبَ الثراء

وقد صدَقوا فانَّ يديكَ تهزا … على رجليكَ إنْ نضبَ الرخاء

وقد كذِبوا . فـ “بايارٌ ” لديه … وكانَ له بـ” بايار ” العزاء

وكلُّ الناسِ من قاصٍ ودانٍ … لِمن واساكَ في ضيقٍ فداء

فجاءَ يَزين موقفَه لسانٌ … كحدِّ السيفِ أرهفه المُضاء

محاماةً مشرِّفةً وليستْ … محاماةً يُرادُ بها الرِّياء :

صديقٌ ضامنٌ نجَّتْ صديقاً … ضمانتُه وقد عزَّ الأداء

وليسَ بمُنكرٍ دفعاً ولكنْ … مُقاسَطةً يحتِّمها اقتضاء

” فلانتييةٌ ” له شرفٌ وجاهٌ … وأطفالٌ وأهلٌ أبرياء

ومعملُه تعيشُ بهِ مئاتٌ … سيُعوزِهُم – إذا سُدَّ – الغذاء

ولكنَّ ” القضاء ” أجلُّ مِن أنْ … يُصدِّقُ ما يقولُ الأصدقاء

فأصبح ” لانتييه ” وكلُّ ما في … يديهِ من نَثا الدُّنيا جُفاء

وبينا ” لانتييه ” يفيضُ بؤساً … ويطفحُ بالشقاءِ له إناء

إذا ” بالعدل” يكبِسهُ ، لماذا ؟ … لانَّ العدلَ يكبس من يشاء ..

لأن ” العدل ” يُشغِلُه أناسٌ … همُ فوقَ ” المنصَّةِ ” أنبياء..

وهبْ ذهبت ضحايا ” العدل ” ظُلماً … نفوسٌ من تظنِّيه بُراء

فلا لومٌ عليهِ وإنْ تلوَّثْ … سياط ٌ فوقَهم أو فارَ ماء..

سيجلِدُهم إلى أنْ يُقنِعوه … بأنهم أناسٌ أبرياء..

فان هلكوا وخلْفَهمُ بيوتٌ … خوتْ من بعدهم فله البقاء

كلمات: محمد حمزة

ألحان: بليغ حمدي