الأصيل في لبنان – محمد مهدي الجواهري
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها … تَحَدَّرُ في مهوىً سحيقٍ لتغربا
تَحدَّرُ في مهوىً تلقفَ قُرْصَها … تلقُّفَ تَنُّورٍ رغيفاً محصبا
وما خلفت في الجو من خطراتها … وما خلعت من مرقصات على الربى
وما بدلت من زرقة البحر ألهَبَتْ … بحمرتها آذيَّهُ فتلهبا
تغيّر حتى حِوَّمَ الطيرُ فوقه … يحاذر أن يدنو إليه ليشْرَبا
وقد صَمَتَ الكونَ الرهيبُ ضجيجُه … على أنّهُ في صمتهِ كان أرهبا
وهيمنَ رَوحٌ من جِمام ورقةٍ … على الشاطئين استيقظا فتوثّبا
أأنت رايتَ الغيمَ يلتَمُّ فوقها … يجاذِبُ متنَْها رداءً مذهَّبا
يغازلها ما غازلتْهُ ، اخو هوىً … يلاعبُها ما استمتعتْ منه ملعبا
تجَمع من أطرافها ثم مسّه … بروعته لالاؤها فتشعبا
أأنت سألت الكون عن أي باعث … بدا في غروب الشمس جذلان معجبا
وأيّ يد مرت عليه كريمةٍ … صناعٍ . فردَّتْهُ أديما مخضّبا
وما هذه الأشباحُ تترى ؟ اغيمةٌ … تولّد أظرفا ، ونابا ، ومخلبا
غرابٌ تصبّاه غرابٌ ، وثعلبٌ … يطارد في جَوْز السمواتِ ثََعْلبا
وثمَّ سنامٌ مُستَجدٌّ وغاربٌ … يناديك أن تسعى إليه فتركَبا
وثَمَّ سفينٌ من دخانٍ قلوعُه … ونوتيُّهُ رَوح رخيٌّ من الصبا
واولاءِ رهطُ الجنَّ بين نديّهم … يُقيمون من سحرٍ رواقا مطنّبا
كأني أرى المزمارَ في فَم عازفٍ … وأسْمَعُ – لو أقوى – الغناءَ المشببا
وتلكمْ على النادي تطوفُ عرائسٌ … بدا سافراً رهطٌ . ورهطٌ تَنَقَّبا
وهاتيك اقزاعٌ لطافٌ كؤوسُها … وخَمْرَتُها جَوْنُ السَّحاب تذوَّبا