الأدب الصارخ – محمد مهدي الجواهري
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى … وكانت وهي شاكيةُ السلاحِ
وقد كانتْ سباخاً فاستثيرت … وفلَّ صميمَها وقعُ المساحي
وأفراحٍ شحيحاتٍ أديفت … بأتراحٍ جُبِلْنَ على السَّماح
أأقرَبُ ما أكونُ إلى انقباض … وأبعَدُ ما أكون عن انشراح
وَشتَّان اقتراحات الليالي … وما تَبغيه مني واقتراحي
فليتَ حوادثأً ما رفَّهَتْ لي … نطاقَ العيشِ لم تحصُصْ جناحي
وليتَ مخابراً قَبُحَت دَهَتني … مجرَّدةً عن الصُورِ القِباح
إلى ألَمٍ وعن أَلَمٍ مسيري … فما أدري غُدويَّ من رَواحي
وما أختارُ ناحيةً لأنّي … رَماني الدهرُ من كل النواحي
وملء القلبِ إذ حبست لِساني … ظروفٌ مغرماتٌ باجتياحي
جراحٌ لم تَفِضْ ، فملئن قَيحاً … وبعضُ الشر لو فاضت جِراحي
رأيتُ معاشرَ الشعراء قبلي … تعدُّ الخمر مَجلبةَ ارتياح
وقد أُغرِقْتُ في الأحزان حتى … سئمتُ مَنادمي وَذَممتُ راحي
وما سكرانُ يقتحِمُ البلايا … كمُقتحِمِ البليةِ وهو صاحي
بعينِ الشعرِ والشعراءِ بيتٌ … هَتَفْتُ به فطارَ مع الرياح
يَهُبُّ مع الصَبا نَفسَاً رقيقاً … ومؤتلقاً يطيرُ مع الصَباح
له من وقعهِ نَسَبٌ صريح … يمتُّ به إلى الماءِ القراح
ولو في غيرِ أوطاني لجالتْ … به نظم القلائد والوِشاح
وقائلةٍ ترى الآدابَ سَفَّت … وقد غطّى النُعابُ على الصُداح
وما نفعُ السكوتِ وقد أُضيعتْ … حقوقُ ذوي الجدارهِ بالصياح:
تقدَّمْ للقوافي واقتَحِمْها … فقد يُرجى التقدُّمُ بالكفاح
أقول لها :دعي زَندي فاني … أخافُ عليك بادرةَ اقتداحي
وكلُّ حقيقةٍ ستَبينُ يوماً … وكل تصنّعٍ فإِلى افتضاح
وما بغدادُ والآدابُ إّلا … كما انتفخت طبولٌ من رياح
تُوفّي الحُرَّ من حقٍ مُضاعٍ … ومن عِرضٍ تمزِّقُه مُباح
ولما أنْ رأيتُ الشعرَ فيها … أداةً للتشاحن والتلاحي
أنرتُ ذُبالَ مسرجتي بكفي … أفتشُ عن أديبٍ في الضواحي
فكان هناك تحتَ ستارِ بُؤسٍ … يجلِّله وفي ثوب اطراح
أقول له : ألا وجهٌ حييٌ … يقيكَ طوارقَ النّوَبِ الوِقاح؟
أما في الحيِّ معترفٌ بفضلٍ … يناشِد عن غدوِّكَ والرواح؟
فقال وأرعشتْ شفتاهُ : دعني … أقابلْ جِدَّ دهرِكَ بالمُزاح
ومثلي ضحَّت الدنيا كِثاراً … فهبني بعضَ هاتيك الأضاحي