الأحاديث شجون – محمد مهدي الجواهري

جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا … وأعيدي فالأحاديثُ شُجونُ

إن أباحتْ لكِ أربابُ الهَوى … سِرَّه فالحكمُ عندي أن يصونوا

جدِّدي عهدَ أمانيه التي … قُرِنَ العيشُ بِها نِعمَ القرين

يومَ كنّا والهوى غضٌّ وما … فُتِحَتْ إلاّ على الطُهْر العُيون

ما عَلِمنا كيفَ كُنّا ، وكذا … دينُ اهلِ الحبِّ والحبُّ جُنون

أشرقَ البدرُ على هذي الرُبى … أفلا يُخسِفُه منكُمْ جَبين

جَلَّ هذا الجِرمْ قدراً فلقد … كادَ يهتزُّ له الصخرُ الرزين

كل أوقاتيَ رهنٌ عندَه … الدجُى . الفجرُ. الصبحُ المبين

سَألونا كيف كنتم ْ ؟ إن مَنْ … دأبُه ذكرُكمُ كيفِ يكون

هوَّن الحبَّ على اهل الهَوى … أن تَركَ الحبِّ خطبٌ لا يهون

ما لهُمْ فيه مُعينونَ وما … لذَّةُ الحب إذا كان مُعين

ميَّزَت ما بين أرباب الهوى … ودَعاويهم : وجوٌ وجُفون

وهواكُمْ لا نَقَضْنا عهَدكُمْ … وَضمينٌ لكُمُ هذا اليمين

ايفى النجمَ فيبقى ساهراً … مُحيياً سودَ الليالي ونخون

شَرَعٌ في الناس والدينُ وعودٌ … عم فيها الخُلْفُ والوعدُ ديون

أين من يُرضيكَ منه حاضِرٌ … وهو في عِرضِكَ إن غبتَ ضَنين

فعلى الخير يقينٌ ظَنُّهُ … وعلى الشرِّ فكالظنِ اليقين

جدِّدي كيف اطِّراحي فارساً … ولمرأى وَطَني كيفَ الحنين

وَسلي قلبيَ لِمْ ضاقتْ به … فارسٌ وهي رياضٌ لا سُجون

ضَحِكَت فيها من الروض وجوة ٌ … وجَرَت بالسَلْسَلِ العَذبِ عُيون

واكتَسَتْ بالحسنِ هاماتُ الرُبى … كيفَما شاءَ لها الغيثُ الهَتون

حبذا فارسُ من مُستوطَنٍ … عافَه وخلاّه القَطين

أفَهذا قصرُ ” فَرهادِ ” الذي … جمعته مع ” شيرينَ” المَنون

مثَّلا للحبِّ دوراً طاهراً … لم يَشُبْ أثوابَه البيضَ مُجون

ليس منه غيرُ رسمٍ دارسٍ … مُخبرٍ أنَّ رَحى الدهرِ طَحون

أولا كسرى ولا أجنادهُ … خُلِّيَتْ منهم قِلاعٌ وحُصون

سلَفَت فيهم سنونٌ تَرفاً … واتَتهْم بالبَلِّيات سنون

وكذا الدهرُ على عاداتِه … إن صَفَا حِِينَ نبا والتاث حين

جدِّدي ذكرَ بِلادي إنَّني … يهواها أبدَ الدهرِ رَهين

انا لي دينان : دينٌ جامع ٌ … وعراقي وغَرامي فيه دِين

القوافي أدُمُعٌ منظومةٌ … والأناشيدُ بُكاءٌ وحَنين

كيف لا تُحزنكُم أُهزوجةٌ … كانَ من اوتارها القلبُ الحزين

اكسُ ياربِ بلادي رحمة ً … وحناناً مثلما يُكسَى الجنين

امحُ عنها ذُلَّ ارهاقِ العِدى … أنها ما عُوِّدَت عاراً يَشين

يا مُدانينَ اضاعُوا وطناً … هو للحشرِ بمن فيه مدين

اين كانَ الوطنُ المحبوبُ إذْ … قَلَّتِ الزينةُ مالٌ وبَنون

ليسَ يخفَى أمركُم من بعِدما … قَلِّبَت منه ظُهور وبُطون

كم يُروى منفوخةً أوداجُهُ … من نِعاجٍ هُزِلَتْ ، ذئبٌ سمين

تَبخَس الأوطان ظلماً حقَها … ثم لا يُسترخَصُ العمرُ الثمين

هذه بغدادُ ، هذا كرخُها … هذه دجلةُ والماءُ المَعين

هذه الدورُ التي شيَّدها … للسَمَا ” مستنصرٌ ” أو ” مستعين “

كلها تُصبحُ إرثاً ضائعاً … ليَنُح” هارونُ ” وليبكِ ” الأمين “

ليس تنفكُّ بلادي كلُّها … يَبَسٌ أو كلُّها ماءٌ وطين

دجلةٌ والنيلُ والشامُ معاً … و” الصَّفا ” تندُبُ شجواً و ” الحَجون “

قُطِّعَتْ أوصالُها ، وافترقتْ … فشِمالٌ ليس تدري ويَمين