إلى الرّصافي – محمد مهدي الجواهري

تمرَّستَ ” بالأولى ” فكنتَ المُغامِرا … وفكَّرتَ ” بالأخرى ” فكنتَ المُجاهِرا

وفضَّلتَ عيشاً بين تلك وهذه … به كنتَ ، بل لولاهُ ، ما كنتَ شاعرا

وما الشِّعرُ إلاَّ ما تفتَّقَ نُورهُ … عن الذهنِ مشبوباً ، عن الفكر حائرا

عن النفس جاشت فاستجاشت بفيضها … عن القلبِ مرتجَّ العواطفِ زاخراً

وما زجَّ في شتَّى المَهاوي بربِّه … وقحَّمهُ ” النَهجينِ ” قصداً ، وجائرا

وما هو بالحبلِ الذي رُحتَ مرغِماً … ” أوائلَه ” أنْ تلتقي و ” الأواخرا”

وكنتَ جريئاً حين يدعوكَ خاطرٌ … مِن الفكر أن تدعو إليك المَخاطرا

على ثقةٍ أنْ لستَ في الناس واجداً … على مِثله – إلاَّ القليلَ – مُناصراً

وكنتَ صريحاً في حياتكَ كلِّها … وكانَ – ومازالَ – المصارِحُ نادراً

فانْ شابَها ما لم تجدْ عنه نُدحةً … شَفَعْتَ به حُكم الظروف مُسايرا

فقد كنتَ عن وحي الضرورةِ ناطقاً … وقد كنتَ عن محضِ الطبيعة صادراً

وقد كنتَ في تلك ” الأماديحِ ” شاتماً … محيطاً ” بأربابِ ” القرائحِ كافرا

وإلاَّ فأنتَ المانعُ الصُغرِ ” عن يدٍ … أبتْ أنْ تُحلَّى في الجِنان أساورا”

وإنَّكَ أنقى من نُفوسِ خبيثةٍ … تُراوِدُ بالصَّمت المريبِ المَناكرا

تَعيبُ على الشِّعرِ التَّحايا رقيقةً … وتلثُم من ” بغلٍ هجينٍ ” حوافرا

تُريدُ القوافي المؤنساتِ غفيفةً … وقد أشغرتْ – للفاحشاتِ – الضمائرا

وتُنكر أنْ يُستنشقَ الشعرُ ” نفحةً ” … وقد فَغرتْ أشداقَها والمناخرا

وتطوي على ” أُمِّ الدَّنايا ” مَباطناً … وتُلقي عليها من إباءٍ مظاهرا

كما أسدلتْ ليلاً ” هلوكٌ ” مُلحَّةٌ … على مخدعِ العُهرِ الحريرَ ستائرا

من العارِ أنْ نرضى التذبذبَ صامتاً … دنيئاً ، خبيثاً ، والغاً ، متصاغرا

على حينَ نأبى أن تحرِّكَ شاعراً … ضرورةُ حالٍ بدَّلَتْ منه خاطرا

وإنيّ إذْ أُهدي إليكَ تحيَّتي … أهزُّ بكَ الجْيلَ العَقوقَ المُعاصِرا

أهزُّ بكَ الجيلَ الذي لا تهزُّه … نوابغُه ، حتى تزورَ المقابرا