إلام تجن الحادثات وتظلم – أحمد محرم

إلام تجن الحادثات وتظلم … وحتى متى تبغي العداة وتظلم

حملنا من الأيام ما لا يطيقه … أبانٌ ولا يقوى عليه يلملم

نوائب تتلوها إلينا نوائبٌ … صعاب تهد الراسيات وتهدم

إذا نحن قلنا قد تولت غيومها … توالت علينا ترجحن وتسجم

ظللنا لها ما بين باكٍ دموعه … تسيل وشاكٍ قلبه يتضرم

جزى الله ما يجزي المسيئين معشراً … تمادت بنا شكوى الإساءة منهم

أتوا مصر ضيفاناً أطلنا قراهمو … وإكرامهم والحر للضيف يكرم

فما برحوا يأتون كل عظيمة ٍ … فنغضي ويأبون الجميل فنحلم

أهذا جزاء المحسنين وفوا به … فيا بئسما يجزي اللئيم المذمم

بذلنا لهم أرياً وجاءوا بعلقمٍ … وهل يستوي الضدان أريٌ وعلقم

نقيضان هذا مر في الذوق مطعماً … فمج وهذا قد حلا منه مطعم

لئامٌ لقوا منا كراماً لقوهمو … بأحلام عادٍ يلأمون ونكرم

همو زعموا أنا ضعافٌ فضاعفوا … أذانا وكم من مخطئ حين يزعم

يزيد الأذى منهم فيزداد حلمنا … ويعظم وقع الخطب فينا فنعظم

وجاروا وماروا واعتدوا وتمردوا … وجالوا وصالوا وازدروا وتهضموا

وعادوا وكادوا واستبدوا وعاندوا … وخانوا ومانوا واستطالوا وأجرموا

ولم يتركوا شيئاً لنا من بلادنا … نلذ به بين الأنام وننعم

نعم تركوا آلام حزنٍ مبرحٍ … بها كل قلبٍ من بني مصر مفعم

كفى حزناً أنا نرى مصر أصبحت … بعين بنيها وهي نهبٌ مقسم

تناديهمو كي يدركوها ولا أرى … سوى محجمٍ يعتاق ساقيه محجم

بني مصر هيا قد تمادى جثومكم … أأنتم إلى يوم القيامة جثم

بني مصر هذي مصر تبكي مصابها … ألا مشفق يحنو عليها ويرحم

بني مصر هذي مصر قد ساء حالها … وأسوأ حالاً لو تفيقون أنتم

بني مصر قد أوردتمو مصر مورداً … يذيق الردى وراده لو علمتم

أسأتم إليها جاهدين وأنتمو … بنوها فهلا للعداة أسأتم

فيا ليتها من قبل كانت عقيمة ً … ويا ليتها في مقبل الدهر تعقم

رهين بلى ً قد حل في جوف حفرة ٍ … يسد عليها بالرجام ويردم

تولت بقلبٍ موجعٍ لفراقه … تشق عليه الجيب حزناً وتلطم

يقرح جفنيها لطول بكائها … دموعٌ سخيناتٌ يعندمها دم

بأعظم من مصر اكتئاباً وحسرة ً … وقد زال عنها عزها المتصرم

لقد هرمت مصر ونزعم أنها … فتاة ٌ فهل أدعى فتى ً حين أهرم

بدا ظهرها بعد الشباب مقوساً … وقد كان قبل الشيب وهو مقوم

ولو أسفرت عن وجهها لبدت لنا … حقيقتها لكنها تتلثم

إذا حاولت مصرٌ إلى المجد نهضة ً … أبى ذاك عظمٌ واهنٌ متهشم

أتلك فتاة ٌ يا بني مصر إنكم … توهمتمو هذا فخاب التوهم

وفلاح مصرٍ كم توالت مصائبٌ … عليه تلقى شرها وهو مرغم

رأى القوت من هم الحياة فباعه … يخاف أذاهم وانثنى يتألم

له صبية ٌ خمص البطون كأنهم … جوازل وكرٍ ما لها فيه مطعم

وبادية الثديين أخلق ثوبها … وأبلاه بعد الحول حول مجرم

توجع تبغي بعد عامين غيره … حفاظاً على العورات والمرء معدم

يقول لها لا ترفعي الصوت واجعلي … لباسك حسن الصبر ما ثم درهم

مغارم شتى لا تزال تصيبني … إذا مغرم منها انقضى جاء مغرم

نمارس أنواع الشقاء وغيرنا … بما نحن نجني دوننا يتنعم

نبيع ببخسٍ ما علمت ونشتري … من القوم لا بالبخس ما نحن ننجم

فلو أن في مصرٍ مصانع لم يكن … كمغنم أهليها على الدهر مغنم

بلادٌ يفيض الخير فيها وتشتكي … وشعبٌ يفوز الأجنبي ويحرم

ألا ليت هذا الدهر يعكس سيره … فيعتاد مصراً عهدها المتقدم

لقد كان عيداً للبلاد وموسماً … تسر به لو دام عيدٌ وموسم

ترقت بروج العز فيه بواذخاً … لها من صميم العزم والحزم سلم

أتى بعده عهدٌ وعهدٌ كلاهما … أضر وأنكى للبلاد وأشأم

كفى حزناً أن المدارس أصبحت … دوارس فيها للبلى متخيم

أرى أمة ً حيرى يظل سوادها … صريع العمى والجهل ما يتعلم

ألا مصلح يبني الحياة لقومه … ألا منقذ يحمي البلاد ويعصم

سما من سما بالعلم واعتز بالحجى … من اعتز فينا والذين تقدموا

رأيت سنام المجد لا يستطيعه … بلا أدبٍ يسمو به المتسنم

وكيف تنال المجد في الناس أمة ٌ … أزمتها للإنكليز تسلم

أنطمع كالأحياء في نيل بغية ٍ … وأعداؤنا تقضي علينا وتحكم

ولم أر كالسودان أبعث للأسى … وإن لج في ترنامة المترنم

أكانوا عداة ً فابتدرنا قتالهم … وصاولهم منا الخميس العرمرم

دهمناهمو لا بل دهمنا نفوسنا … فهلا علمنا أينا كان يدهم

سيوف لغير الله سلت عليهمو … تطبق فيهم مرة ً وتصمم

تمنى لو أن الحامليها تثلمت … سواعدها أو أنها تنثلم

ومشتجرات في الصدور نوافذٌ … تود تقى ً لو أنها تتحطم

فيا عجباً للدهر كيف يضمنا … وإخواننا الأدنين في الحرب مأزم

ألا حرمة وافى بها الدين تتقى … ألا رحم أوصى بها الله ترحم

كأني بأرواحٍ قضت شهداؤها … تسامى إلى ديانها تتظلم

لعمري لقد غيظت لسوء صنيعنا … ملائكة الجبار فهي تدمدم

تجدلت الحامون منا ومنهمو … وحدثت الناعون عنا وعنهم

فمن لنساءٍ قد شجاها التأيم … ومن لصغارٍ قد دهاها التيتم

يهنئنا قومٌ بهذا وإنما … يهنأ من يغزو العدو فيغنم

علام أرى الغاوين تسدي وتلحم … وتنثر في مدح العداة وتنظم

ألا قاتل الله المقطم إنه … ليوشك أن يندك منه المقطم

نود له أن يهتدي من ظلاله … فيأبى وأن يحذو الكرام فيلأم

وكيف يرى سبل الهداية مبغضٌ … لها مستهامٌ بالغواية مغرم

يدب يقول السوء في مصر جاهداً … كما دب ليلاً ينفث السم أرقم

ألم يدر أن الصدق أهدى طريقة ً … وأجدى وأن الحق أقوى وأقوم

تمنى العدى أن تستبيح بلادنا … منى ً دونها ذو لبدتين غشمشم

شتيمٌ تحامى الضاريات عرينه … يكشر عن أنيابه ويصلقم

منى دونها غيث البلاد وغوثها … مليك الورى عبد الحميد المعظم

أجل الملوك الصيد في الفضل رتبة ً … وأقوم رأياً في الخطوب وأحزم

له عزماتٌ ماضياتٌ متى ترم … مراماً تحاماها القضاء المحتم

يبيت الدجى يرعى الرعايا بفكرة ٍ … حكت منه طرفاً كالئاً ما يهوم

هو المرتجى للملك يحمي ذماره … ويدحر عنه المعتدين ويدحم

ورأيٍ له أمضى غراراً ومضرباً … من السيف لا ينبو ولا هو يكهم

تغض به هام الأعادي إذا عتت … وتجذم أسباب العوادي وتخذم

أمولاي رحماك التي أنت أهلها … فحتى متى نبدي الشكايا ونكتم

يصرح بالشكوى لعلياك معشرٌ … ويخشى الأعادي معشرٌ فيجمجم

أمضت جراحات الخطوب قلوبنا … وليس لها في غير كفيك مرهم

أما للشياطين التي قد تمردت … بأرضك شهبٌ من سمائك رجم

غياثك يا رب البلاد لأمة ٍ … يهدم عالي مجدها ويهضم

غياثك إنا قد سئمنا حياتنا … ومثل حياة الحر في مصر تسأم

غياثك قد ضاق الخناق وحشرجت … نفوسٌ إذا استبقيتها تتلوم

بقيت لهذا الملك تدفع دونه … وتمنع أمر المسلمين وتعصم

ولا زلت يا روح الخلافة سالماً … فأمنية الإسلام أنك تسلم

ولا برح البيت الذي أنت شائدٌ … من المجد فينا وهو بيتٌ محرم