أَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ؟ – محمود سامي البارودي
أَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ؟ … وَالْمَنَايَا خَصِيمَة ُ الْحَيَوَانِ
قدْ بلونا كيدَ الزمانِ ، ولكنْ … شغلتنا عنهُ ضروبُ الأماني
فَلَكٌ، لاَ يَزَالُ يَجْرِي عَلَى النَّا … سِ بضدين : من علاً وَ هوانِ
فهوَ طوراً يكونُ كالوالدِ البرْ … رِ ، وطوراً كالناقمِ الغضبانِ
لَيْسَ يُبْقِي عَلَى وَلِيدٍ، وَلاَ كَهْـ … ـلٍ، وَلاَ سُوقَة ٍ، وَلاَ سُلْطَانِ
كَيْفَ يَرْجُو الإِنْسَانُ فِيهِ خُلُوداً … بعدَ ما قدْ مضى أبو الإنسانِ
أينَ منْ كانَ قبلنا منذ داركتْ … كُرَة ُ الأَرْضِ وَهْيَ ذَاتُ دُخَانِ؟
أممٌ أخلدتْ إلى الدهرِ حيناً … ثمَّ ضاعتْ في لجة النسيانٍ
حصدتها يدُ المونونِ ، فصارتْ … خبراً في الوج بعدَ عيانٍ
فترسمْ معالم الأرض ، واسألْ … فسعى أن يجيبكَ الهرمان
أثرٌ دلَّ صنعهُ أنَّ ” هرميـ … ـسَ» بَنَاهُ مِنْ أَبْدَعِ الْبُنْيَانِ
خَافَ ضَيْعَ الْعُلُومِ حِينَ أَتَتْهُ … بيناتٌ دلتْ على الطوفانِ
فبناهُ منَ الصخورِ اللواتي … جَلَبَتْهَا الْقُيُونُ مِنْ أُسْوَانِ
طبقاتٌ في جوفها حجراتٌ … ضمنتْ كلَّ حكمة ٍ وَ بيانِ
بقيتْ بعدَ صانعيها ؛ فكانتْ … أثراً ناطقاً بغيرِ لسانِ
سَوْفَ تَبْلَى مِنْ بَعْدِ حِينٍ، وَيُمْحَى … ذكرُ ” هرميسَ ” منْ سجلَّ الزمانِ
إنما هذهِ الحياة ُ غرورٌ … تنقضي بالشقاءِ وَ الحرمانِ
ليسَ فيها سوى خيالاتِ وَهمٍ … تَمْتَرِيهَا قَرَائِحُ الأَذْهَانِ
خَطَرَاتٌ قَدْ ضَمَّنُوهَا كَلاَماً … فلسفياً لمْ يقترنْ بمعاني
كلُّ حيًّ يظنُّ أمراً ، وَ لكنْ … أينَ منهُ محجة ُ البرهانِ ؟
قدْ عرفنا ما كانَ منا قريباً … وَ جهلنا ما لا ترى العينانِ
فَدَعِ الْقَوْلَ فِي التَّفَلْسُف، وَاخْضَعْ … لجلالِ المهيمنِ الديانِ
أَنَا يَا دَهْرُ عَالِمٌ بِمَصِيرِي … فيكَ ، لكنني جموحُ العنانِ
قدْ تماديتُ في الغواية ِ حتى … كَبَحَ الدَّهْرُ شِرَّتِي، وَثَنَانِي