أَلاَ، حَيِّ بِالْمِقْيَاسِ رَيَّا الْمَعَالِمِ – محمود سامي البارودي

أَلاَ، حَيِّ بِالْمِقْيَاسِ رَيَّا الْمَعَالِمِ … وَقَلَّ لَهَا مِنَّا تَحِيَّة ُ قَادِمِ

ملاعبُ آرامٍ ، وَ مأوى حمائمٍ … وَمَسْقَطُ أَنْدَاءٍ، وَمَسْرَى نَسَائِمِ

أحاطتْ بهِ للنيلِ منْ كلَّ جانب … جَدَاوِلُ تُسْقِيهِ سُلاَفَ الْغَمَائِمِ

تَدُورُ مَدَارَ الطَّوْقِ مِنْ حَيْثُ تَلْتَقي … مَسِيراً، وَتَنْسَلُّ انْسِلاَلَ الأَرَاقِمِ

إذا ضاحكتها الشمسُ رفتْ متونها … رَفِيفَ الثَّنَايَا خَلْفَ حُمْرِ الْمَبَاسِمِ

وَإِنْ سَلْسَلَتْها الرِّيحُ أَبْدَتْ سَبَائِكاً … مُقَدَّرَة ً، كَالْوَشْمِ فَوْقَ الْمَعَاصِمِ

تجوس خلالَ الباسقاتِ ، وتنتهى … إلى ساعدٍ في غمرة ِ النيلِ ساجمِ

تَرَى حَوْلَهَا الأَشْجَارَ وَلْهَى مُكِبَّة ً … عَلَى الْمَاءِ، فِعْلَ الصَّادِيَاتِ الْحَوَائِمِ

و منبعثاتِ في الهواءِ ، كأنها … بيارقُ لهوٍ ركزتْ في المواسمِ

منَ اللاءِ قدْ آلينَ يشربنَ ، أوْ تلى … مَنَابِتُهَا غَوْرَ الْبِحَارِ الْخَضَارِمِ

إِذَا لاَعَبَتْ أَعْرَافَهَا الرِّيحُ خِلْتَهَا … فوارسَ تعصو بالسيوفِ الصوارمِ

يَلُوحُ بِهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، كَأَنَّهُ … فرائدُ ساوى بينها كفُّ ناظمِ

إِذَا مَا أَتَى مِيقَاتُهَا، وَتَضَرَّجَتْ … حَسِبْتَ عَقِيقاً فِي صِحَافِ الْكَمَائِمِ

مَسَارِحُ لَهْوٍ، لَوْ رَأَى «الشِّعْبُ» حُسْنَهَا … لعضَّ على ما فاتهُ بالأباهمِ

ذَكَرْتُ بِهَا عصْراً تَوَلَّى ، وَلَذَّة ً … تقضتْ . وَ ما عهدُ الزمانِ بدائمِ

وَمَا تَحْسُنُ الأَيَّامُ إِلاَّ بِأَهْلِهَا … وَلاَ الدَّارُ إِلاَّ بِالصَّدِيقِ الْمُلاَئِمِ

فيا نعمَ ما ولتْ بهِ دولة ُ الصبا … وَ لمْ ترعهُ منْ عهدنا المتقادمِ

إِذِ الْعَيْشُ أَفْنَانٌ، وَنَحْنُ عِصَابَة ٌ … ألو ترفٍ : ما بينَ غادٍ وَ هائمِ

نَسِيرُ عَلَى دِينِ الْوَفَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ … سِوَى الْحُبِّ مِنْ قَاضٍ عَلَيْنَا وَحَاكِمِ

إِذَا قَالَ مِنَّا قَائِلٌ، قَامَ دُونَهُ … شَهِيدٌ عَلَيْهِ، صَادِقٌ، غَيْرُ آثِمِ

يحومُ عليهِ وَ المنايا مسفة ٌ … وَ يدرأُ عنهُ في صدورِ اللهاذمِ

إِذَا أَلْهَبَتْهُ غَضْبَة ٌ، وَتَرَجَّحَتْ … بهِ سورة ٌ ، أغرى الظبا بالجماجمِ

فَقَدْ مَرَّ ذَاكَ الْعَصْرُ إِلاَّ لُبَانَة ً … معلقة ً بينَ الحشا وَ الحيازمِ

إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ يَوْماً تَرَاجَعَتْ … عليها عقابيلُ الهمومِ القدائمِ

وَ منزلة ٍ للأنسِ كنا نحلها … وَنَرْعَى بِهَا اللَّذَّاتِ رَعْيَ السَّوَائِمِ

عفتْ ، وَ كأنْ لمْ تغنَ بالأمسِ ، وَ التقتْ … عَلَيْهَا أَعَاصِيرُ الرِّياحِ الْهَوَاجِمِ

وَمَا خَيْرُ دُنْيَا لا بَقَاءَ لِعَهْدِهَا … وَ ما طيبُ عيشٍ ربهُ غيرُ سالمِ

عَلَى هَذِهِ تَمْضِي اللَّيَالِي، وَيَنْقَضِي … حديثُ المنى فيها ، كأحلامِ نائمِ

كلمات: المنتظر

ألحان: طلال مداح