أنت – إيليا أبو ماضي

مهبط الوحي مطلع الأنبياء … كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟

في عيون الأنام عنك نبوّ … لم يكن في العيون لو لم تسائي

أنت كالحرّة التي انقلب الدّه … ر عليها فأصبحت في الإماء

أنت كالبردة الموشّاة أبلى الطّي … والنّشر ما بها من رواء

أنت مثل الخميلة الغنّاء … عرّيت من أوراقها الخضراء

أنت كاللّيث فلّم الدّهر ظفريه … وأحنى عليه طول الثّواء

أنت كالشّاعر الذي ألف الوحدة … … في محفل من الغوغاء

أنت مثل الجبّار يرسف في الأغلال … في مشهد من الأعداء

لو تشائين كنت أرفة حالا … أو لست قديرة أن تشائي

أنا ما زلت ذا رجاء كثير … ولئن كنت لا أرى ذا رجاء

قد بكى التار كوك منك قنوطا … فبكى الساكنوك خوف التّنائي

كثر النّائحون حولك حتّى … خلت أني في حاجة للعزاء

بذلوا دمعهم وصنت دموعي … إنّما اليائسون أهل البكاء

لو تفيد الدّموع شيئا لأحيت … كلّ عاف مدامع الشّعراء

أنت في حاجة إلى مثل (موسى) … لست في حاجة إلى (أرمياء)

مقلة الشّرق كم عزيز علينا … أن تكوني ربيّة الأقذاء

شرّدت أهلك النّوائب في الأرض … وكانوا كأنجم الجوزاء

وإذا المرء ضاق بالعيش ذرعا … ركب الموت في سبيل البقاء

لا يبالي مغرب في ذوبة … أن يراه ذووه في الغرباء

أرض آبائنا عليك سلام … وسقى اللّه أنفس الآباء

ما هجرناك إذ هجرناك طوعا … لا تظنّي العقوق في الأبناء

يسأم الخلد والحياة نعيم … أفترضى الخلود في البأساء؟

هذه أرضنا بلاقع، تمشي … فوقها كلّ عاصف هوجاء

هذه دورنا منازل للبو … وكانت منازل الورقاء

بدلتها السّنون شوكا من الزّهر … وبالوحش من بني حوّاء

ما طوت كارثا يد الصّبح إّلا … نشرته لنا يد الإمساء

نحن في الأرض تائهون كأنا … قوم موسى في اللّيلة اللّيلاء

تترامى بنا الرّكائب في البيداء … طورا؛ وتارة في الماء

ضعفاء محقّرون كأنا … من ظلام والنّاس من لألاء

واغتراب القوي عزّ وفخر … واغتراب الضّعيف بدء الفناء

عابنا البيض أنّنا غير عجم … والعبدّى بالسّحنة البيضاء

ويح قومي قد أطمع الدّهر فيهم … كلّ قوم حتى بني السّوداء

فإذا فاتنا عدو تجنّى … فأنارانا الأحباب في الأعداء

أطربتنا الأقلام لّما تغنّت … بالمساواة بيننا والإخاء

فسكرنا بها فلماّ صحونا … ما وجدنا منها سوى أسماء

نحن في دولة تلاشت قواها … كالنُّضَارِ المدفون في الغبراء

أو كمثل الجنين ماتت به الحامل … حيا يجول في الأحشاء

عجبا كيف أصبح الأصل فرعا … والضّحى كيف حلّ في الظّلماء

ما كفتنا مظالم التّرك حتى … زحفوا كالجراد أو كالوباء

طردوا من ربوعهم فأرادوا … طردنا من ربوعنا الحسناء

ما لنا ، والخطوب تأخذ منّا … نتلهّى كأننا في رخاء

ضيم أحرارنا وريع حمانا … وسكتنا، والصّمت للجبناء

نهضة تكشف المذلّة عنّا … فلقد طال نومنا في الشّقاء

نهضة تلفت العيون إلينا … إنّ خوف البلاء شرّ بلاء

نهضة يحمل الأثير صداها … للبرايا في أوّل الأنباء

نهضة تبلغ النفوس مناها … فهي مشتاقة إلى الهيجاء

إنّ ذا هيكل نحن فيه القلب … والقلب سيّد الأعضاء

زعم الخائنون أنّا بما نبغيه … نبغي الوصول للعنفاء

سوف يدرون أنما العرب قوم … لا يبالون غير الأسنّة السّمراء

يوم تمشي على جبال من الألاء … تمشي في لأبحر من دماء

يوم يستشعر المواؤون منّا … إنّما الخاسرون أهل الرّياء