أنا و أخت المهاة و القمر – إيليا أبو ماضي
آه من الحبّ كلّه عبر … عندي منه الدموع و السهر
وويح صرعى الغرام إنّهم … موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا
يمشون في الأرض ليس يأخذهم … زهو و لا في خدودهم صعر
لو ولج الناس في سرائرهم … هانت ، و ربّي ، عليهم سقر
ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا … عهدا ، و لا مالا و لا غدروا
قد حملوا الهون غير ما سأم … لولا الهوى للهوان ما صبروا
لم يبق منّي الضّنى سوى شبح … يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
أمسي و سادي مشابها كبدي … كلاهما النار فيه تستعر
أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة … مثلي فيه القتاد و الإبر
لعلّ طيفا من هند يطرقني … فعند هند عن شقوتي خبر
ما بال هند عليّ غاضبة … ما شاب فودي و ليس بي كبر
ما زلت غضّ الشباب لا وهن … يا هند في عزمتي و لا خور
لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا … أن يفسدوا بيننا و قد قدروا
واها لأيّامنا … أراجعة ؟ … فانّهن الحجول و الغرر
أيّام لا الدهر قابض يده … عنّي ، و لا هند قلبها حجر
لم أنس ليلا سهرته معها … تحنو علينا الأفنان و الشجر
غفرت ذنب النّوى بزورتها … ذنب النوى باللقاء يغتفر
بتنا عن الراصدين يكتمنا … الأسودان : الظلام و الشعر
ثلاثة للسرور ما رقدوا … أنا و أخت المهاة و القمر
فما لهذي النجوم ساهية … ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ …
إن كان صبح الجبين روّعها … فإنّ ليل الشعور معتكر
أو انتظام العقود أغضبها … فإنّ درّ الكلام منتثر
و ما لتلك الغصون مطرقة … كأنّها للسلام تختصر
تبكي كأنّ الزمان أرهقها … عسرا ، و لكن دموعها الثمر
طورا على الأرض تنثني مرحا … و تارة في الفضاء تشتجر
فأجلفت هند عند رؤيتها … و قد تروع الجآذر الصور
هيفاء لو لم تلن معاطفها … عند التثنّي خشيت تنكسر
من اللّواتي – و لا شبيه لها – … يزينهنّ ادلال و الخفر
في كل عضو و كل جارحة … معنى جديد للحسن مبتكر
تبيت زهر النجوم طامعة … لو أنّها فوق نحرها درر
رخيمة الصوت إن شدت لفتت … لها الدّراري و أنصت السحر
أبثّها الوجد و هي لاهية … أذهلها الحبّ فهي تفتكر
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا … و ما أثمنا و لا بنا وزر
فابتدرت هند و هي ضاحكة : … ماذا علينا و إن هم كثروا
فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا … و استشعروا الحبّ مثلما عذروا
ما جحد الحبّ غير جاهله … أيجحد الشمس من له بصر ؟
ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا … و لا تلمهم فما هم بشر
سرنا الهويناء ما بنا تعب … و قد سكتنا و ما بنا حصر
لكنّ فرط الهيام أسكرنا … و قبلنا العاشقون كم سكروا
فقل لمن يكثر الظنون بنا … ما كان إلاّ الحديث و النظر
حتّى رأيت النجوم آفلة … و كاد قلب الظلام ينفطر
ودّعتها و الفؤاد مضطرب … أكفكف الدمع و هو ينهمر
وودّعتني و من محاجرها … فوق العقيق الجمان ينحدر
قد أضحك الدهر ما بكيت له … كأنّما البين عنده وطر
كانت ليالي ما بها كدر … و الآن أمست و كلّها كدر
إن نفد الدمع من تذكّها … فجادها بعد أدمعي المطر
عسى اللّيالي تدري جنايتها … على قتيل الهوى فتعتذر