أقول لصاحبي من التعزي – الفرزدق

أقُولُ لِصَاحبَيّ مِن التّعَزّي، … وَقَدْ نَكّبْنَ أكْثِبَةَ العُقَارِ

أعِينَاني عَلى زَفَرَاتِ قَلْبٍ، … يَحِنّ بِرَامَتَينِ إلى النَّوَارِ

إذا ذُكِرَتْ نَوَارُ لَهُ اسْتَهَلّتْ … مَدامِعُ مُسْبِلِ العَبَرَاتِ جَارِ

فَلَمْ أرَ مِثْلَ ما قَطَعَتْ إلَيْنَا … مِن الظُّلَمِ الحَنادِسِ وَالصّحارِي

تَخُوضُ فُرُوجَهُ حَتى أتَتْنَا … عَلى بُعْدِ المُنَاخِ مِنَ المَزَارِ

وَكَيْفَ وِصَالُ مُنقَطِعٍ طَرِيدٍ … يَغُورُ مَعَ النّجومِ إلى المَغَارِ

كَسَعْتُ ابنَ المَرَاغَةِ حِينَ وَلّى … إلى شَرّ القَبَائِلِ وَالدّيَارِ

إلى أهْلِ المَضَايِقِ مِنْ كُلَيْبٍ … كِلابٍ تَحْتَ أخْبِيَةٍ صِغَارِ

ألا قَبَحَ الإلَهُ بَني كُلَيْبٍ، … ذَوِي الحُمُرَاتِ وَالعَمَدِ القِصَارِ

نِسَاءٌ بِالمَضَايِقِ مَا يُوَارِي … مَخَازِيَهُنّ مُنْتَقَبُ الخِمَارِ

ولَوْ تُرْمى بِلُؤمِ بَني كُلَيْبٍ … نُجُومُ اللّيلِ ما وَضَحَتْ لسارِي

وَلَوْ لَبِسَ النّهارَ بَنُو كُلَيْبٍ … لَدَنّسَ لُؤمُهُمْ وَضَحَ النّهارِ

وَمَا يَغْدُو عَزِيزُ بَني كُلَيْبٍ … لِيَطْلُبَ حَاجَةً إلاّ بِجَارِ

بَنُو السِّيدِ الأشَائِمُ للأعَادِي، … نَمَوْني لِلْعُلَى وَبَنو ضِرَارِ

وَعَائِذَةُ الّتي كَانَتْ تَمِيمٌ … تُقَدّمُهَا لِمَحْمِيَةِ الذِّمَارِ

وَأصْحابُ الشّقِيقَةِ يَوْمَ لاقَوْا … بعني شَيْبانَ بِالأسَلِ الحِرَارِ

وَسَامٍ عَاقِدٍ خَرَزَاتِ مُلْكٍ … يَقُودُ الخَيْلَ تَنْبِذُ بِالمهارِ

أنَاخَ بِهِمْ مُغاضَبَةً فَلاقَى … شَعُوبَ المَوْتِ أوْ حَلَقَ الإسَارِ

وَفَضّلَ آلَ ضَبّةَ كُلَّ يَوْمٍ … وَقَائِعُ بِالمُجَرَّدَةِ العَوَارِي

وَتَقْدِيمٌ، إذا اعْتَرَكَ المَنَايَا، … بجُرْدِ الخَيْلِ في اللُّجَجِ الغِمَارِ

وَتَقْتِيلُ المُلُوكِ ، وَإنّ مِنْهُمْ … فَوَارِسَ يَوْمَ طِخْفَةَ وَالنِّسارِ

وَإنّهُمُ هُمُ الحَامُونَ لَمّا … تَوَاكَل مَنْ يَذُودُ عَنِ الذِّمَارِ

وَمِنْهُمْ كانَتِ الرّؤسَاءُ قِدْماً، … وَهُمْ قَتلُوا العَدُأ بِكُلّ دارِ

فَمَا أمْسَى لِضَبّةَ مِنْ عَدُوٍّ … يَنَامُ، وَلا يُنِيمُ مِنَ الحِذَارِ