أحيِّيك طه – محمد مهدي الجواهري

أُحَيّيكَ ” طه ” لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا … كفَى السَّجع فخراً محضُ إسمك إذ تدعي

أُحَيّيكَ فَذّاً في دِمشقَ وقبلَها … ببغدادَ قد حيَّيتُ أفذاذَكم جَمْعا

شكرناكَ : أنَّا في ضيافة نابغٍ … نُمتّعُ منه العينَ والقلبَ والسمعا

ذرفتُ – على أنْ لا يرانا بطرفه … وإنْ حسنَّا بالقلب – من أسفٍ دمعا

وكنَّا على آدابك الغُرِّ قبلَها … ضُيوفاً فما أبقيتَ في كرمٍ وُسْعا

نهضتَ بنا جيلاً وأبقيتَ بعدَنا … لأبنائنا ما يَحمدَون به المسعى

أبا الفكرِ تستوحي من العقل فذّه … وذا الأدبِ الغضِّ استثيرتَ به الطَّبعا

ويا سِحرَ موسى – إنَّ في كلّ بقعةٍ … لما تجتلي من آيةٍ حيَّةً تسعى

لكَ اللهُ محمولاً على كلّ خاطرٍ … ومِن كلّ قلبٍ رُحْتَ تحتلُّهُ ترعى

أُنَبّيكَ أنَّ ” الرافدينِ ” تطلَّعتْ … ضِفافُهما واستَنْهضَ الشَّجرُ الزرعا

نمى خبرٌ أنْ سوف تسَعى إليهما … فكادَ إليك النخلُ من طربٍ يسعى

وقد نذَرَ الصَّفصافُ وارفَ ظلَّه … عليك وأوصى – أنْ يساقيَكَ – النبعا

هلمَّ لشُطئانِ الفراتينِ واستمِع … أهازيجهَا تستطرفِ المعجِزَ البَدعا

وطارِحْ به سجعَ الحَمام فانَّه … لُهاثٌ على الجْرحى نُواحٌ على الصَّرعْى

ووأسِ عليه الرازحينَ من الهوى … وطّببْ هناكَ النازعاتِ بهِ نزعا

هناك تلمَّسْ ” ضائعَ الحبّ ” وافتقِد … ضحاياه وارأبْ للقُلوب به صَدعا

وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ : إنَّه … قضى ، وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا

وكَّنا إذا ضاقتْ بلادٌ برائدٍ … أتانا فلا المُرتادَ ذمَّ ولا المراعى

إلى الآنَ في بغدادَ نستافُ مِسكةً … لناقتهِ مما أثارت بها نقعا

ونمزجُ من ماء الفراتينِ جَرعة … بذكراهُ مما عبَّ من صفوه جرْعا

ونهوى السفينَ الحائراتِ كأنْها … سفينتُه إذ تشتكي الأينَ والضَّلْعا

أجلْ ، قد خطفناها مخافةَ فُرقةٍ … وخشيةَ إزماعٍ نضيقُ به ذرعا

هلمَّ به ذرعاً إلى بغدادَ لا تخشَ خاطفاً … فانَّا نسجنا من ” فريدٍ ” لك الدرعا

سنحجزهُ نرتادُ ذكراك عنده … وينفَخنا من طيب أنفاسك الردعا