أجب أيُّها القلب – محمد مهدي الجواهري

أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ … مزاميرَ عزّافٍ ، أغاريدَ ساجعِ

لِطافاً بأفواه الرُّواة ، نوافذاً … إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع

تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها … وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع

بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين ، وقولِهم ْ : … أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع

أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ … أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع

وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً … لِطافاً مجاريها ، غِرارَ المنابع

أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً … إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع

وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً … وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع

يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ … متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع

أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ … بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع

بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً … وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع

قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ … يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع

وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما … تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي

ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي … شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع

ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ … شَكاةٌ بأخرى، دامياتِ المقاطع

وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها … ولا هي مما يتقى بالمباضع

ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها … برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع

أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ … نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع

حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني … حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع

وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً … وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع

وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً … لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع

تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً … من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع

تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها … على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي

على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ … تلوحُ له أشباحُها في الطلائع

فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ … يدٌ ،ويدٌ بين الحشا والأضالع

فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ … فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع

ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً … شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع

ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا … براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع

حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ … إلى القبرِ أخرى ، وهي أمُّ الفجائع

وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ … مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي

ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها … مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع

غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها … ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي

رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ … مليءٍ ، وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع

كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ … تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع

وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع … تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع

وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ … ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع

وكُنَّ بريقاً في عُيوني ، وهِزَّةً … بجسمي ، وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي

وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً … مِن النوم يَسري في العيون الهواجع

ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها … إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع

وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي … وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع

وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ … وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع

ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ … وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع

تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع … ورحتُ بوسقٍ من ” أديبٍ ” و ” بارع “

وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ … خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع

وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ … بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع

ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ … أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع

طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً … حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع

وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي … وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي

ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى … ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع

رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي … سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع

وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ … فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع

نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني … على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع

أنا اليومَ إذ صانعتُ ، أحسنُ حالةً … وأُحدوثةً منّي كغير مصانع

خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها … إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي

بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه … إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع

وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا … حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع

تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي … تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي

فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ … ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع