أتُرى الحمامَ ينوحُ من طربٍ معى – محمود سامي البارودي

أتُرى الحمامَ ينوحُ من طربٍ معى … وَنَدَى الْغَمَامَة ِ يَسْتَهِلُّ لِمَدْمَعِي؟

مَا لِلنَّسِيمِ بَلِيلَة ٍ أَذْيَالُهُ؟ … أَتُرَاهُ مَرَّ عَلَى جَدَاوِلِ أَدْمُعِي؟

بل ما لِهذا البرقِ مُلتهِبَ الحشا ؟ … أَسَمَتْ إِلَيْهِ شَرَارَة ٌ مِنْ أَضْلُعِي؟

لم أدرِ هل شعرَ الزمانُ بِلوعتى … فرثى لَها ، أم هاجتِ الدُنيا مَعى ؟

فالغيثُ يَهمى رِقَّة ً لِصبابتى … وَالطَّيْرُ تَبْكِي رَحْمَة ً لِتَوَجُّعِي

خَطَرَاتُ شَوْقٍ، أَلْهَبَتْ بَجَوَانِحِي … نَاراً يَدِبُّ أَزِيزُهَا فِي مِسْمَعِي

وَجَوًى كَأَطْرَافِ الأَسِنَّة ِ، لَمْ يَدَعْ … لِلصَّبْرِ بَيْنَ مَقِيلِهِ مِنْ مَفْزَعِ

يأهلَ ذا النادى أليسَ بكم فتى ً … يَرثى لويلاتِ المشوقِ المولعِ ؟

أَبْكِي، فَيَرْحَمُنِي الْجَمَادُ، وَلاَ أَرَى … خِلاًّ يَرِقُّ إِلَى شَكَاتِي، أَوْ يَعِي

فإذا دَعوتَ بِصاحبٍ لم يَلتفِتْ … وإذا لجأتَ إلى أخٍ لم ينفَعِ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّنِي أَشْكُوُ الْهَوَى … والذنبُ لى فى كُلِّ ما أنا مُدَّعِى

قَدْ طَالَمَا يَا قَلْبُ قُلْتُ لَكَ احْتَرِسْ … أَرَأَيْتَ كَيْفَ يَخِيبُ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ؟

أوقعتَ نَفسكَ فى حبائلِ خُدعة ٍ … لاَ تُسْتَقَالُ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعِ

يا ظبية المقياس هذا مَدمعى … فرِدِى ، وهذا روضُ قلبى فارتعى

إن كانَ لا يرضيكِ إلاَّ شِقوتى … فلقد بلغتِ مُناكِ مِنها ، فاقنَعى

أنا منكِ بينَ صبابة ٍ لاتنقضِى … أيَّامها ، وغواية ٍ لم تُقلعِ

فثِقى بِما تمليهِ ألسنة َ الهوى … وَهْيَ الدُّمُوعُ، فَحَقُّهَا لَمْ يُدْفَعِ

لاتحسبى قولى خديعة َ ماكرٍ … إِنَّ الْوَفِيَّ بعَهْدِهِ لَمْ يَخْدَعِ

إِنِّي لأَقْنَعُ مِنْ هَوَاكِ بنَظْرَة ٍ … وَأَعُدُّهَا صِلَة ً إِذَا لَمْ تَمْنَعِي

هَذِي مُنَايَ، وَحَبَّذَا لَوْ نلْتُهَا … عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَهْيَ أَكْبَرُ مُقْنِعِ