آمنتُ بالحُسين – محمد مهدي الجواهري

فِداءٌّ لَمثواكَ مِن مَضْجَعِ … تَنَوَّرَ بالأبلَج الأروَعِ

بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنانِ … رَوحاً ، ومن مِسكِها أضوع

ورَعياً ليومِكَ يومِ ” الطُفوف” … وسَقياً لأرضِكَ مِن مَصْرَع

وحُزناً عليك بحَبْسِ النُفوسِ … على نهجِكَ النَّيِّرِالمَهْيَع

وصَوتاً لمجدِكَ مِنْ أنْ يُذالَ … بما أنت تأباهُ مِن مُبّدع

فيا ايُّها الوِتْرُ في الخالِدينَ … فذّاً ، إلى الآنَ لم يُشْفَع

ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ … للاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع

تعاليتَ مِن مُفْزِعِ للحتُوفِ … وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع

تلوذُ الدُّهورُ فمِنْ سُجَّد … على جانبيه . ومِنْ رُكَّع

شَممتُ ثراكَ فهبَّ النسيمُ … نسيمُ الكرامةِ مِن بَلقع

وعفَّرتُ خدي بحيثُ استراحَ … خدٌّ تفرَّى ولمْ يَضرَع

وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُغاةِ … جالتْ عليهِ ولم يَخشع

وخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ … بروحي إلى عالمٍ أرفَع

وطُفْتُ بقبرِكَ طوفَ الخَيالِ … بصومعةِ المُلْهِمِ المُبْدع

كأنَّ يداً من وراءِ الضريحِ … حمراءَ ” مَبتُورَةَ الإِصْبَع “

تَمُدُّ إلى عالمٍ بالخُنوعِ … والضيمِ ذي شَرقٍ مُتْرَع

تَخبَّطَ في غابةٍ أطبَقَت … على مُذئبٍ منه أو مُسْبِع

لِتُبدِلَ منه جديبَ الضمير … بآخَرَ مُعَشوشِبٍ مُمرِع

وتدفعَ هذي النفوسَ الصِغارَ … خوفاً إلى حَرَمٍ أمنَع

تعاليتَ مِن صاعِقٍ يلتظي … فانْ تَدْجُ داجيةٌ يَلمع

تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ … لم تُنْءِ ضَيراً ولم تَنْفَع

ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ … وقد حرَّقَتَهُ ولمْ تَزرع

ولم تُخلِ أبراجَها في السماء … ولم تأتِ أرضاً ولم تُدْقِع

ولم تَقْطَعِ الشّرَّ مِن جِذْمهِ … وغِلَّ الضمائرِ لم تَنْزع

ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُمُ … عليهِ من الخُلُقِ الأوضَع

تعاليتَ من ” فَلَكِ ” قُطْرهُ … يدورُ على المِحوَرِ الأوسع

فيابنَ ” البتولِ ” وحَسْبي بها … ضَماناً على كلْ ما أدَّعي

وبابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها … كمِثلِكَ حَملاً ولم تُرْضِع

ويابن البطينِ بلا بِطنةٍ … ويابن الفتى الحاسرِ الأنْزَع

ويا غُصْنَ ” هاشِمَ ” لم ينفَتِحْ … بأزهرَ منكَ ولم يُفْرِع

ويا واصِلاً مِن نشيدِ ” الخُلود” … خِتامَ القصيدةِ بالمطلع

يَسيرُ الورى بركاب الزمانِ … مِن مستقيمٍ ومن اظلع

وأنتَ تُسيِّرُ ركْبَ الخلود … ما تستَجِدّ له يَتْبَع

تَمثَّلتُ ” يَومكَ ” في خاطري … وردَّدت ” صوتَكِ ” في مَسمعي

ومَحَّصتُ أمرَكَ لم ” أرتَهبْ ” … بنقلِ ” الرُّواة ” ولم أُخدَع

وقلتُ : لعلَّ دويَّ السنين … بأصداءِ حادِثِكَ المُفْجِع

وما رتَّلَ المخلِصونَ الدُّعاةُ … مِن ” مرسِلينَ ” ومن ” سُجَّع “

ومِنْ ” ناثراتٍ ” عليكَ المساءَ … والصُبْحَ بالشَعْرِ والأدمُع

لعلَّ السياسةَ فيما جَنَتْ … على لاصِقٍ بكَ أو مُدَّعي

وتشريدَها كلَّ مَنْ يدَّلي … بحبلٍ لأهلِيكَ أو مَقطع

لعلَّ لِذاكَ و ” كونِ ” الشَّجيِّ … وَلُوعاً بكلِّ شَجٍ مُولع

يَداً في اصطباغِ حديثِ ” الحُسين ” … بلونٍ أُريدَ لهُ ممتِع

وكانتْ ولمَّا تَزَلْ بَرْزَةً … يدُ الواثقِ المُلْجَأ الألمعى

صَناعاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً … وكيفَ ومهماً تُرِدْ تَصنع

ولمَّا أزَحْتُ طِلاءَ ” القُرونِ ” … وسِتْر الخِداع عنِ المخْدع

أُريدُ ” الحقيقةَ ” في ذاتِها … بغيرِ الطبيعة لم تُطْبَع

وجدتكَ في صُورةٍ لم أُرَعْ … بأعظمَ منها ولا أرْوَع

وماذا أأروعُ مِنْ أن يكونَ … لحمُكَ وَقْفاً على المِبْضَع

وأنْ تَتَّقي – دُون ما ترتائي … ضميرَكَ بالأسَلِ الشُرَّع

وإنْ تُطْعِم الموتَ خيرَ البنينَ … مِنَ ” الأكهلينَ ” إلى الرُّضَّع

وخيرَ بني ” الأمِّ ” مِن هاشمٍ … وخيرَ بني ” الأب ” مِن تُبَّع

وخيرَ الصِّحاب بخيرِ الصدورِ … كانوا وِقاءكَ ، والأذْرع

وقدَّسْتُ ” ذكراكَ” لم أنتحِلْ … ثِيابَ التُقاةِ ولم أدَّع

تَقَحَمْتَ صدري وريبُ ” الشكوكِ ” … يَضِجُّ بجدرانِه ” الأرْبَع “

ورانَ سَحابٌ صَفيقُ الحجاب … عليَّ من القَلَقِ المُفزع

وهبَّتْ رياحٌ من الطيّبات … و ” الطيبينَ “ولم يُقْشَع

إذا ما تزحزحَ عن مَوضعٍ … تأبَّى وعادَ إلى مَوضع

وجازَ بيَ الشكُّ فيما معَ ” الجدودِ ” … إلى الشكِّ فيما معي

إلى أن أقمتُ عليه الدليلَ … من ” مَبدأ” بدمٍ مُشْبَع

فأسلَمَ طَوعاً إليكِ القِياد … وأعطاكَ إذعانهََ المُهْطِع

فنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِن فِكرتي … وقِّوْمتَ ما اعوجَّ مِن أضلُعي

وآمنتُ إيمانَ مَن لا يَرى … سِوى ( العقل) في الشكِّ مِن مَرْجع

بأن ( الإِباء ) ، ووحيَ السماء … وفيضَ النبوَّةِ ، مِن مَنْبع

تجمَّعُ في ( جوهرٍ ) خالصٍ … تَنَّزهَ عن (عَرَضِ ) المَطْمَع