لقد أعقبتْ بالبؤسِ منك وبالنعمى – ابن سهل الأندلسي

لقد أعقبتْ بالبؤسِ منك وبالنعمى … و أصبحَ طرفاً لا أراكَ بهِ أعمى

سُقيتَ الحيا من ظاعنِ الثُّكلِ قد ثوى … و أبقى ربوعَ المجدِ موحشة ً عتما

وقد كنتُ أُمضيهِ على الخطبِ مُنْصُلاً … وآوي لَهُ ركناً، وأسري بِهِ نجما

ترحل لما أن تكاملَ مجدهُ … ولَيْس كسوفُ البدرِ إلاّ إذا تمّا

لقد عاشَ رغماً للحواسدِ والعدا … و ماتَ على أنفِ الندى والهدى رغما

و كانتْ ليالي العيشِ بيضاً بقربهِ … فقد أصبحَتْ أيامنا بعده دُهما

و قد كان يعطي السيفَ في الروعِ حقه … و يرضى إذا أرواهُ في الشركِ أن يظما

وَيُضحِكُ ثَغْرَ النصرِ في كلِّ معركٍ … يُرى وسطَهُ وَجْهُ الردى عابساً جهما

و كان إذا الأمجادُ ظنوا نوالهمْ … لمستمنحٍ غرماً ، رأى بذلهُ غنما

إذا بخلوا أعطى وإن أحجموا مضى … وإن أصلدوا أورى ونار عما

ألا فَأْتيا بطحاءَ لبلة فانْدبا … بها مصرعاً غالَ الشجاعة َ والحِلما

وأجْوَدها تَنْدى الصِّلادُ غضارة ً … بهِ ويفوحُ التربُ مسكاً إذا شما

وما عذرُ أرضٍ أُشربَتْهُ فأنبتَتْ … نباتاً ولمْ تنبتْ ذكاءً ولا حزما

بني فاخرٍ أمسيتمُ يومَ فقدهِ … كأنجمِ أفقٍ فارقتْ بدرها التما

ذهبتَ أبا الحجّاج لَمْ تُبْقِ ذلّة ً … و أبقيتَ فينا المجدَ والسؤددَ الضخما

فرزؤكَ قَدْ عَمَّ البريّة َ كلَّهُمْ … كما كانَ فيهمْ جودُ يمناكَ قد عما

فكم حلَّ في أحشائِهِمْ منكَ مِنْ جوًى … وكم حلَّ فيأيديهمُ لكَ من نُعمى

و خلفتَ ثكلى لا تكفُّ جفونها … بكاءً ولا تَنْدَى جوانِحُها غَمّا

تنوحُ لها الأطيارُ في القضبِ رقة ً … و يذري عليها المزنُ أدمعه رحما

عَلَيْكَ سلامُ اللَّه الردى … وما دامَ فِيكَ الدمعُ دونَ العزا خصما

و لاحَ أصيلُ اليومِ بعدك شاحباً … و ريحُ الصبا معتلة ً تشتكي السقما