أرقتُ لبرقٍ بالحمى يتألقُ – ابن سهل الأندلسي

أرقتُ لبرقٍ بالحمى يتألقُ … فقلبي أسيرٌ حيثُ دمعيَ مطلقُ

غذا فهتُ بالشكوى ترنم صاحبي … كما طارَحَ الغصنَ الحمامُ المطوَّقُ

فبتنا قرينَيْ لوعة ٍ نَصْطلي بِها … كأنا على النارِ الندى والمحلقُ

نقضّي ديونَ الشوقِ حتى قضى على … غرابِ الدجى بازي الصباحِ المحلقُ

وشفَّ عن النورِ الظلامُ كأنّهُ … حدادٌ على بيضِ الصدورِ يمزقُ

يمانعُ ضوءَ الفجرِ والفجرُ صادعٌ … كما عارضَ البرهانَ قولٌ ملفقُ

كأنَّ احمرارَ الأفقِ والفجرَ والدجى … دمٌ وحسامٌ مشرفيٌّ ومَفرِقُ

أيا جنة ً حلتْ لظى من جوانحي … أطيَّ ضلوعي جنة ٌ وهو يحرقُ

أيُنْكرُ قلبُ الصبِّ مُنْذُ سكنتَه … ليباً وحراً وهو للشمسِ مشرقُ

رعى اللهُ عهداً للصبا ليس يرتجى … و اخبارهُ متلوة ٌ تتشوقُ

وأرضاً يكادُ الليلُ في عَرَصاتها … لشدة ِ ما قد ضاوعَ المسكُ يعبقُ

سقاها سحابٌ مثلُ دمعي، ومِيضُهُ … كقلبي ، تشبُّ النارُ فيهِ ويخفقُ

يُداني الرُّبى حتى قصيرُ نباتِها … يكادُ بهِ من شوقهِ يتعلقُ

كأنَّ حياهُ الجَوْدَ والنبتَ والثرى … بنانُ أبي بكرٍ وخطٌّ ومهرقُ

فتًى فِيه ما في الشُّهبِ والبرقِ والحَيا … فَمِنْها لَهُ ذهنٌ وكفٌّ ومَنْطِقُ

تخايلهُ في الغيثِ صعقٌ ورحمة ٌ … وفي الصارِمِ الهنديِّ حدٌّ ورونَقُ

تكفَّل مِنهُ راحة َ الدِّينِ خاطرٌ … تعوبٌ ونومُ الملكِ عزمٌ مؤرَّقُ

يظنُّ بهِ وهوَ المحوطُ ضياعهُ … كما ساء ظنّاً بالأحبّة ِ مُشْفِقُ

حمى ً في سماحٍ في قبولٍ كدوحة ٍ … تظلُّ وتجنى كلَّ حينٍ وتنشقُ

لَهُ قَلَمٌ قَدْ أُوتيَ الحُكْمَ شيمة ً … فلوْ كان طفلاً كان في المهدِ ينطقُ

بكى السيفُ منهُ غَيْرَة ً فبريقُهُ … على صفحتيهِ عبرة ٌ تترقرقُ

و ليس اهتزازُ الرمحِ للطعنِ خفة ً … ولكنّها من شدة ِ الرعبِ أوْلَقُ

قصيرٌ طويلُ الباعِ شاكٍ الضنى … تصحُّ بِهِ مرضى المعاني وَتُفْرِقُ

إذا ما جرى بالرزقِ فالمزنُ جامدٌ … ومهما جرى في الطرسِ فالبرقُ مؤنقُ

بثثتَ بأُفْقِ الغربِ كلَّ غريبة ٍ … من القول يشجى الشرق منها ويشرقُ

تسيرُ فتحكي البدرَ سيراً وغُرَّة ً … خلا أنّها معصومة ٌ ليس تمحقُ

يحاكي ثغورَ الغانياتِ ابتسامها … ومنظرها، والوردُ أروى وأورقُ

إذا وردتْ حفلاً تغامزَ أهلهُ … صحائفُ فُضَّتْ أم نوافجُ تُفْتَقُ

فمن مطلقٍ منهم عرى المدح مسهبٍ … و من صامتٍ عجزاً فمطرٍ ومطرقُ

لك النظمُ تهوى الشمسُ لو كسيتْ به … وَجُرِّدَ عَنْها نُورُها المتألّقُ

فيعشو لَهُ الأعشى إذا لاحَ نُورُهُ … ويجري جريرٌ ظالعاً حين يُعْنِقُ

هو الدُّرُّ: يُهدي الدُّرَّ بحرٌ مكدَّرٌ … زُعاقٌ وذا يهديه عَذْبٌ مروَّقُ

تكاملتَ بينَ الجودِ والشعر فاغتدى … عَلَيْكَ عِيالاً حاتمٌ والفرزدقُ

قريضٌ وقرضٌ للنهى فمسامعٌ … تشنفُ منها أو رقابٌ تطوقُ

لأخضلتَ جوداً واشتعلتَ نباهة ً … فزندكيوري حيثُ غصنك يورقُ

فإنّك في نفسِ المكارمِ والعُلا … طباعٌ وَخُلْقٌ والأنامُ تَخَلُّقُ

ألا وتَهنأْ موسماً لوفودِهِ … لقَدْ كادَ قبلَ الوقتِ نحوكَ يسبِقُ

و زاركَ دونَ الناس وحدكَ إنما … ثناهُ التقى أو عادة ٌ ليس تخلقُ

وما منكما إلا سعيدٌ مُهَنَّأٌ … و لكنْ لذي اللبّ الهناءُ المحققُ

ودونَكها حسناءَ مِنْ غيرِ مُحْسِنٍ … كما جاء من ذي الذنبِ عذرٌ منمقٌ

أأهدي إلى شمس الضحى كوكبَ السها … وينفقُ لي في معدِنِ التبرِ زئبقُ

تحبُّ الورى الآدابَ وهي مُضاعة ٌ … فأحسبها الدنيا تلامُ وتعشقُ

ولولاك إذ أصْبحتَ حُجّة َ سعدِها … لكنتُ بدعوى الشُّؤْمِ فيها أصدِّقُ

كأنَّ مُلِمَّ الرزقِ طيفٌ وهمَّني … سهادٌ وليس الطيفُ في السُّهدِ يطرقُ