يُلْحَى الزَّمانُ وما عَلَيْهِ مَلامُ – ابن سهل الأندلسي
يُلْحَى الزَّمانُ وما عَلَيْهِ مَلامُ … يَجْني القضا وتُعنَّفُ الأيامُ
أعيا البسالة َ والحذارَ حبائلٌ … سيّانِ فِيها الأُسْدُ والآرامُ
يودي الردى بمسالمٍ ومحاربٍ : … يُقوي الكِناسُ وتُقْفرُ الآجامُ
قلْ للمنونِ لئن عظمت خطيئة ً … فلقدْ أصابَ سدادكِ المعتامُ
أنى اهتديتِ إلى حظية ِ سؤددٍ … قدْ ضلَّ عنها الصبحُ والإظلامُ
محجوبة ُ الشخص الكريمِ وفضلها … كالفجرِ لا يلقى عليهِ لثامُ
لو رامَها غيرُ القضاءِ لكان في … أسدِ الهياجِ تخمطٌ وعرامُ
ولكان في حَدَقِ الرّماحِ تشاوُسٌ … ولألْسُنِ البيضِ الرِّقاقِ خصامُ
ها إنّهُ الرُّزءُ الذي ثَقُلَتْ بِهِ … نوبٌ وخفتْ عندهُ الأحلامُ
هَيْهاتِ ما برقُ الجوانحِ خُلَّبٌ … فيهِ ولا مُزْنُ الجفونِ كَهامُ
أمّا العزاءُ فقد غَدا متنكّراً … فكأنما حسناتهُ آثامُ
يا برة ً لما انطوى إحسانها … تاقَتْ إليْهِ الصُّحْفُ والأقْلامُ
ترضى نفوسٌ أن تكون لكِ الفِدا … فتذودَ عنكَ وإنها لكرامُ
لو أنَّ شمسَ الأفقِ دونكِ أدرجت … ما كانَ حقُّ المجدِ فيكِ يقامُ
أوحشتِ شهرَ الصومِ حتى قد بَدَتْ … لبثَّ فيهِ وللأسى أعلامُ
فعلى النسيمِ منَ الكلالِ كآبة ٌ … أضحَتْ يُنافِسُها العُلُوَّ شَمامُ
سيسيرُ هذا الشهرُ قبلَ أوانهِ … إذ لَمْ يسعْهُ لما صنعتِ مقامُ
كم جدتِ بالمعروفِ وهو متممٌ … هبة ً وقمتِ اللّيْلَ وهو تمامُ
من يُنجدُ الأُمّالَ بعدَكِ أَنجدتْ … زفراتهمْ ولدمعِهِمْ إتهامُ
وأراكِ نمتِ عن العُفاة ِ وطالمَا … عدتِ الخطوبُ فسهدتكِ وناموا
عاشَتْ بكِ العلياءُ دهراً في غنًى … فاليومَ صبحَ ربعها الإعدامُ
و اليومَ عادَ الدهرُ في إحسانهِ … و استرجعتْ معروفها الأيامُ
يا ديمة ً في التربِ غارت بغتة ً … و ذوو الأماني واقفونَ حيامُ
صرنا نشيمُ لها البوارقَ في الثرى … و البرقُ من جهة ِ السماءِ يشامُ
كانَتْ رءوماً بالصَّنيعِ تَربُّهُ … فالمرماتُ لفقدها أيتامُ
للولا ضريحكِ ما علمنا حفرة ً … أضحتْ ينافسها العدوَّ شمامَ
ما ضرَّها أنْ لَمْ يكُنْ مِسكاً ولا … دراً ، حصى حلتْ به ورغامُ
وقفَ الأكابرُ من ثنائِكِ موقفاً … فضلتْ وجوههمُ بهِ الأقدامُ
سَبَقَتْ خُطاكِ إلى الجِنانِ وسائلٌ … أثنى عَلَيْها اللَّهُ والإسْلامُ
مدتْ إليكِ الحورُ من أبصارها … واسْتَقْبلَتْكِ تحيّة ٌ وسَلامُ
لم تُضْجَعي في لحدك الزَّاكي الثرَى … إلا وهنَّ للانتظارِ قيامُ
خلّفْتِ حينَ ذهبتِ خيرَ ابنٍ كما … يبقى الرَّبيعُ إذا استهلَّ غَمامُ
ذاكَ الهمامُ القردُ لكن ثنيتْ … سمة ُ الوزارة ِ فيهِ فهي تؤامُ
شَرُفَتْ بآلِ خلاصٍ الرُّتَبُ العُلا … فهمُ نفوسٌ والعلا أجسامُ
قُل للدجون أو الحروبِ تصدَّعي … فأبو عليٍّ كوكبٌ وحسامُ
فالخطبُ لا يعيي مروءة َ ماجدٍ … ركناهُ نبعٌ والخطوبُ ثمامُ
لو تطبعُ الأسيافُ من عزماتهِ … لم يُغْنِ أبناءَ الوغى اسْتِسلامُ
ذللٌ مواهبهُ ولكنْ دمعهُ … في الحادثاتِ أعزُّ ما يُسْتامُ
إن قاسمتهُ الكلمَ أنفسنا فكم … شُفِيَتْ لَنا بِندى يديهِ كِلامُ
أو شاطَرَتْهُ السُّهدَ أعيُننا فَما … زالتْ تعزُّ بعدلهِ وتنامُ
لا يُبكِهِ الدّهرُ الخؤونُ بحادثٍ … فَالدّهْرُ عَنْهُ ضاحِكٌ بَسّامُ
أتروعهُ الدنيا بنثرِ منظمٍ … ووجودُهُ أمنٌ لها ونظامُ