يقول الأطباء المداوون إذ خشوا – الفرزدق

يَقُولُ الأطِبّاءُ المُداوُونَ إذ خَشوا … عَوَارِضَ مِنْ أدْوَاءِ داءٍ يُصِيبُهَا

وَظَبْيَةُ دائي، وَالشّفَاءُ لِقَاؤهَا، … وَهَلْ أنَا مَدْعُوٌّ لِنَفْسِي طَبيبُها

وَكُومٍ مَهَارِيسِ العَشَاءِ مُرَاحَةٍ … عَلَيْنَا أتَاهَا بَعْدَ هَدْءٍ خَبيبُها

محَا كُلَّ مَعرُوفٍ منَ الدّارِ بَعْدَنَا … دَوَالِحُ رَوْحَاتِ الصَّبَا وَجَنوبُها

وكائِنْ أتَتْهَا للشَّمَالِ هَدِيّةٌ … منَ التُّرْبِ من أنْقاءِ وَهْبٍ غرِيبُها

وَثِقْتُ إذا لاقَتْ بِلالاً مَطِيّتي، … لهَا بالغِنى إنْ لمْ تُصِبْها شَعُوبُها

تَمَطّتْ بِرَحْلي وَهْيَ رَهْبٌ رَذِيّةٌ … إلَيْكَ مِنَ الدَّهْنا أتاكَ خَبيبُها

فَما يَهتَدي بالعَينِ مِنْ نَاظِرٍ بهَا، … وَلَكِنّمَا تَهْدِي العُيُونَ قُلُوبُها

وكانَتْ قَناةُ الدِّينِ عَوْجَاءَ عندنا، … فَجاءَ بِلالٌ فاستَقامَتْ كُعُوبُها

فَلَمّا رَأوْا سَيْفَيْ بِلالٍ تَفَرّقَتْ … شَياطِينُ أقْوَامٍ وَمَاتَتْ ذُنُوبُها

فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ يا بِلالُ خَسأتَهُ … فأغْضَتْ لَهُ عَينٌ على مَا يَرِيبُها

رَأيْتُ بِلالاً يَشْتَرِي بِتِلادِهِ … مَكَارِمَ أخْلاقٍ عِظَامٍ رَغِيبُها

وَيَوْمٍ تُرَى جَوْزَاؤهُ قَد كَفَيتَهُ … بِطَعْنٍ وَضَرْبٍ حينَ ثَابَ عَكوبُها

أبَتْ لِبِلالٍ عُصْبَةٌ أشْعَرِيّةٌ، … إذا فَزِعَتْ كانَتْ سَرِيعاً رُكُوبُها

سَرِيعٌ إلى كَفّيْ بِلالٍ، إذا دَعَا، … مِنَ اليَمَنِ الشُّبّانُ مِنها وَشِيبُها

وَما دَعَوةٌ تَدْعو بِلالاً إلى القِرَى … وَلا الطّعْنِ يَوْمَ الرّوْعِ إلاّ يُجيبُها

سَرِيعٌ إلى هَذِي وَهَذِي قِيَامُهُ، … إذا صَدَقَتْ نَفْس الجَبَانِ كَذوبُها

كَما كان يَستَحيِي أبُوهُ إذا دَعَا … لَهُ مُستَغيثٌ حِينَ هَرَّ كَليبُها

يَكُرّ وَرَاءَ المُسْتَغيثِ إذا دَعَا … بِنَفْسٍ وَقُورٍ لا يُخافُ وَجِيبُها

من القَوْمِ يَستَحمي إذا حَمِس الوَغى … لهاماتِ كُلاّحِ الرّجَالِ ضَرُوبُها

وَجَدْنا لَكُمْ دَلْواً شَديداً رِشاؤها، … تَضِيمُ دِلاءَ المُسْتَقينَ ذَنُوبُها