يا نجوم الفنون والدهر ليلٌ – زكي مبارك

يا نجوم الفنون والدهر ليلٌ … ليس يهدى بغير نور الفنون

إنني أحمل السلام إليكم … من زمانٍ بكم شحيحٍ ضنين

ما رأت مصر قبلكم من نجوم … مشرقاتٍ كاللؤلؤ المكنون

ترسل النور كالحقيقة صرفاً … لتبيد الظنون بعد الظنون

يفتن الفنّ أهله حين يمسى … بسناه شرارةً من فتون

فاجعلوه بعقلكم ونهاكم … غاية الروح من عفافٍ ودين

يا حوارِيّ في المعاني وحزنى … وجنودي فيما تثير شجوني

لست أنسى وكيف أنسى زمانا … هو في الدهر غرةٌ في الجبين

نبدأ الدرس والأصائل تصغى … عن شمالي ما شئت أو عن يميني

أرسل السحر من بياني إليكم … فاق سحر البيان سحر العيون

يا شبابا ما خاب ظني فيهم … أتخفوني بفنكم أتحفوني

نشأ الفن عندنا فابعثوهُ … بعثة الزهر في أعالي الحزون

ما شدا قبلنا على الدهر شاد … بنشيد من لوعة وحنين

ما سطا قبلنا على الدهر ساطٍ … يعطم الدهر فاتكات المنون

أعصرٌ قد مضت وأنتم بعصر … سادر في ضلاله مجنون

لا تلاقوه بالتلطف منكم … إن حظ اللطاف حظ الغبين

ما لحرّ إذا تلطّف حظ … في زمان مجرح العدل دون

كل من عاش بالتلطف يمسى … وهو في كربة الجريح الطعين

أين من ينفع الوفاء لديهم … ارشدوني إليهمو أرشدوني

قد خبرتُ الأنام خمسين عاماً … أين ما قد غنمت بالخمسين

إن عمري الذي اضعت رهينٌ … لبلادي أكرم به من رهين

يا وزير الشؤون والوعد دينٌ … كن لهذي الفنون خير معين

إقترحنا عليك إنشاء دار … يلتقى عندها رجال الفنون

فأجبت الرجاء لطفا وظرفا … صانك الفن يا وزير الشؤون

يا وزير الشؤون إني لأرجو … أن نرى الدار في سنا تشرين

معرضٌ للكتاب قد نظّموه … فوق دار تضاء بالياسمين

قلت أمضى إليه كالبرق وثبا … وكتابي إلى العلا بيميني

كتبٌ صغتها بروحي وعقلى … قد أنافت نوراً على الأربعين

جمعتها السنون من عبقريّ … بات يشكو من كربه بالسنين

إن غفا فالكتاب حلم كراهُ … أو صحا فالكتاب خير خدين

عالمٌ ما له على الدهر مثلٌ … حين يمضى إلى اجتلاء اليقين

شاعرٌ يسمع الزمان غناءٌ … هو باللطف سلوةٌ للحزين

عاب قومٌ عليّ أني فخورٌ … أجد الناس في الفضائل دوني

فليجيدوا كما أجيد ليسموا … إن أطاقوا الذي يطيق وتيني

إنني فاخرٌ بنفسي لأني … في زمانٍ ما لي به من قرين