خلعتُ عليكم خلعة الحب حقبةً – زكي مبارك

خلعتُ عليكم خلعة الحب حقبةً … وقلبى بأثواب الهوى يتصدّق

وقد خاب ظني في هواكم فليتني … لخلعة أشواقي عليكم أمزّق

أساطيرُ من حب تهاوت نجومهُ … فأصبح تاريخاً على الوهم يعشق

ولو أنكم متم لهانت فجيعتي … وكنت عليكم من أذى اللوم أشفق

ولكنكم في العائشين وحسنكم … يعيش بمصقول الخداع ويرزق

كفرت بروحي يوم همت بحسنكم … فحسنكم اللماح حسن مزوّق

تزاويق صغتم من سداها حبالةً … بأمراسها الصب المتيّم يشنَق

أمن خطواتٍ بين داري وداركم … أبلغ فيها الرمز حين أصفّق

ترون بأن البعد اصبح شاسعاً … وأن مجال اللوم في الهجر ضيّق

بخمسة أرقام تدار دعابة … يراكم حبيب هائم الروح شيّق

إذا صلصل الهتاف قلت لعلهم … إلى سمع صوتي بالغرام تشوقوا

فيسمعني الهتاف ما لا أريده … خومٌ بأصوات الكراهة تزعق

وما يصنع الهتاف والكون غابةٌ … بها الليث يضوى والحمام يطوّق

تعالوا أعينوني على وأد فتنةٍ … يمزق روحي ظلمها ويشقّق

إذا لم تغيثوني فإني لذاهبٌ … إلى أبدٍ فيه لمن ضميمَ موثق

تطول الليالي هل تطول فما رأى … بأني لشيءٍ بعدكم أتشوق

غرائبُ من دنيا الغرام رأيتها … فأنكرتها والقلب بالدم يشرق

وحلوان ما حلوان تلك مدينة … لها بفؤادي في الصبابة جوسَقُ

أقمت بها حيناً فطابت إقامتي … وكدت بأحلامي من الحب أغرق

إذا بلدُ العشّاق خان فإنني … بأمر هواه في الوفاء لمعرق

إذا جزت أشواقي إليه فإنني … أصافح أزهار المعادي وأنشق

أحبّ المعادي أرضها وسماءها … وصحراءها إني عليها لمشفق

يقيم بها جيلٌ من الناس أمرهم … غريبٌ كأمري في الغرام وأخفق

تجاور فيها الخلق من كل ملة … وقد غرّبوا فيما أرادوا وشرّقوا

ألا إنما مصر الجديدة دارنا … نرَدُّ إليها حالمين فنوثق

بها نهضت داري قبالة داركم … فأصبح منكم بالجمال وأغبق

تلوذون بالتاريخ تاريخ صبوتي … وهل يسمع التاريخ يوما فينطق

إذا لحاضر الوهاج خابت ظنونه … فأمر الهوى الماضي حديث ملفق

وما لي وللذكرى أعيش بروحها … ومن جيبها المعمور بالوهم أنفق

إذا ما الهوى قد صار ذكرى فإنني … عليه بأطياف الجوى أتصدّق

فلا تحسبوني سادراً في ضلالةٍ … أغرّبُ فيها تارة وأشرّق

لقد خلت الدنيا خلت من أحبتي … فيا لك من دنيا تضيم وترهق

ومن أنت يا دنيا لحا اللَه زوجة … بأيسر أسباب الخلاف تطلّق

أعندك يا دنيا دواءٌ لعاشق … يرى أن وأد العشق بالحر أليق

أحباء في السراء يرجى وصالهم … فإن غدر الدهر الغدور تفرّقوا

وفيّون في حبي لمالي فإن رأوا … سحابة فقرٍ أسرعوا فتمزقوا

لصحراء يوم البؤس أعددت حبهم … وقد يظمأ النبع الأصيل فيورق

أأسأل عنهم قد سألت فما الذي … أجابوا به إني عليهم لمشفق

سراعٌ إذا النعماء طاب رحيقها … فإن لمحوا ضرى بدهر يتعوّقوا

تعالوا تعالوا ما زماني بغادر … ولا أنا في سعي إلى المجد مخفق

أنا الأسد الضاري الذي تعرفونه … ومن صولتي يعيا الزمان فيحنق

تعالوا تعالوا قبل أن يخمد الجوى … فأنسى وقد أنسيت حبّي فصدّقوا

نسيت الذي قد كان بيني وبينكم … أفي الحق أني كنت أهوى وأعشق

أطابت ليالي العيد حيناً فلم تكن … سوى جمرة للهائم الصب تحرق

على ليلة العيد التي تذكرونها … سلامٌ وإن لم يبق للعيد موثق

لقد طاب ليل العيد ما طاب وانقضت … أحاديث نرويها فنأسى ونُطرق

أكانت لياليى العيد حلماً صنعته … بوهمي فاضحى وهو زورٌ مزوّق

ليالٍ قضيناها وكان يروضها … أزاهيرُ يرويها الغرام يتعبَق

ليالٍ قضيناها وللدهر غفوةٌ … وما كلّ ليل مقلة الدهر تأرق

طربنا وغنّينا وكان غناؤنا … وساوس يحكيها الشراب المروّق

تضجّ بنا النجوى فنخرس صوتها … ويبدو لنا طيف الجمال فنزعق

هتكنا حجاب السر في الحب دونه … نمائمُ بالقول الأثيم تلفّق

وما أثم الواشون هيهات إنهم … بآثامهم فينا أبرّ وأصدق

وما العيدُ عيد الناس فالعيد عيدنا … ونحن عليهم رحمة نتصدق

إذا فاز خلّ من خليل بنظرة … فعن أمرنا في الحب يحيا ويرزق

لقد ضاع ماضيكم لديّ أضعته … بأمري وأمري في الجحودين مطلق

إذا خاب ظني في حبيب هجرته … وأنكرته والغدر بالغدر يرشَق

لقد كذب الماضي ومان فخنتهُ … وصيرتُه أكذوبة تتفيهق

إلى النار صيروا أو على البحر فاذهبوا … فكل غدورٍ محرق أو مغرّق

أمثلى يرى منكم عقوقاً لحبه … وشعري بعد الله للحسن يخلق

سأذكر ليل العيد أني عشقتكم … ولم أك يوما لاعباً يتعشق

سأذكر ليل العيد ما كان من هوىً … نعمنا به والدهر كالصل مطرق

سأذكر ليل النحر والبدر يرتمى … بأمواجه والنور كالزهر يخنق

سأنحر قلبي في غد قد نحرتهُ … فلم يبق لي قلبٌ يميم فيوثق

سلامٌ على قلبي سلامٌ ورحمةٌ … وأنشودةٌ كالزهر أو هي أعبق

وهل كان لي قلبٌ أراجع عهده … وأزعم يوما أنه كان يخفق

وهل كنت أهواكم وأدخل داركم … أشبّب فيها بالجمال وأعشق

لقد تبت تاب القلب إني ذبحته … وصيرته بالدمع والدم يدفُق

إلى أين صرتم هل نزلتم بدارةٍ … لها من سناكم في دجى الليل مشرق

خبلتم فؤادي أو خبلتُ فؤادكم … ألا ليتني من محنتي أتحقق

أأنتم رحلتم عامدين كأنكم … مللتم جواري والملالة تصلق

أحاول نسيان الذي كان بيننا … أحاول أمراً ما أراه يوفق

أأنسى ولن أنسى لياليَ أُنسكم … وأنتم بقلب الصب أدنى وألصق

أعود إلى الذكرى أعود فإنها … بقية ما أبقى الفراق المفرّق

ستذهب أيام طوال وينقضى … زمان وقلبي من هواكم ممزّق

تنامون عني يغضب الحب غضبةً … عليكم وسهم الحب أمضى وأمرق

بكيت بقلبي لا بدمعي من النوى … وفي جوف قلبي جمرة تترقرق

تنامون عني كيف طاب نعاسكم … أجيبوا فإني لا أكاد أصدّق

تظنون أني سوف أبكي ودادكم … كما كنت أبكي والهوى البكر محرِق

تظنون والظنّ الأثيمُ ضلالةٌ … بأني بما أسرفت في الصدق أحمق

ألم تعلموا أني أريد خداعكم … خذوا الدرس عني إنني أتحمّق

سأسهر ليل العيد وحدي لعلني … أصدق أني من جوي الوجد معتق

سأنسى سأنسى قد نسيت صبابتي … وطلّقتها والعزم كالسهم يمرق

لمن أمركم بعدي وأين زمامكم … أضعتم زكيّا وهو أحنى وأرفق

إلى اليتم ما صرتم إليه بجهلكم … فذوقوا عذاب اليتم أو فتذوقوا

قتالُ الجمال السهل رأيٌ رأيتهُ … وأبصرتهُ إني امرؤ يتحقق

ستقضون ليل العيد في عضّ كربة … إذا بسمَت كانت جحيماً يطقطق

خذوا ليلة العيد الجديد بصرخة … يكاد لها غافٍ من الدهر ينطق

خذوها خذوها واشربوها صريحة … هي الدهر صرفاً وهي أدهى وأوبق

خذوا ليلة العيد السعيد بحسرة … تكاد بها الشم الشواهق تصعَقُ

خذوها خذوها إنني لا أريدها … وإن كان قلبي بالتوله يشمق

تظنون أني سوف أذكر عهدكم … وأحرم من طيب المنام وآرق

بهذا الخيال الحلو ضاعت حلومكم … لكل خيالٍ كاذب الوهم خيفق

أعاتبكم هيهات ما أنا عاتبٌ … ولا أنا بالحب الكذوب مصدّق

أعاتبكم من ذا أعاتب إنني … لأجهل من بالحب والعتب أرشق

أراجع أحلامي فأنسى عهودها … إلى بهرة النسيان سهمى يفوّق

فلا تسكتوا عني فما لي إطاقة … على لجة في مائها المر أغرق

تعالوا تعالوا إنني في بليةٍ … أكاد بها من رجفة الهول أصعق

يحاول أو شابٌ من الخلق صحبتي … ولى مهجة كالماس بالختل تسرَق

إلى أين صرتم آه إني أبحكم … ومن صدكم عني أخاف وأفرق

تعينون أيامي عليّ بصدكم … عفا الحب عنكم وهو بالحسن يرفق