يا عجبا للعذارى يوم معقلة – الفرزدق

يا عَجَبا للعَذَارَى يَوْمَ مَعْقُلَةٍ، … عَيّرْنَني تحتَ ظلّ السِّدرَةِ الكِبَرَا

فَظَلّ دَمْعيَ مِمّا بَانَ لي سَرِباً … عَلى الشّبابِ إذا كَفْكَفتُه انحَدَرَا

فإنْ تكنْ لِمّتي أمسَتْ قدِ انطَلَقَتْ … فَقَدْ أصِيدُ بهَا الغِزْلانَ وَالبَقَرَا

هَلْ يُشتَمَنّ كَبِيرُ السنّ أنْ ذرَفتْ … عَيْنَاهُ أمْ هُوَ مَعذورٌ إنِ اعتَذرَا

يا بِشْرُ إنّكَ سَيْفُ الله صِيلَ بِهِ … عَلى العَدُوّ وَغَيْثٌ يُنْبِتُ الشّجَرَا

مَنْ مِثْلُ بِشْرٍ لحَرْبٍ غَيْرِ خامدةٍ … إذا تَسَرْبَل بِالمَاذِيّ وَاتّزَرَا

العَاصِبِ الحَرْبَ حَتى تَسْتَقيدَ لَهُ … بِالمَشْرَفِيّةِ، وَالعَافي إذا قَدَرَا

سَيْفٌ يَصُولُ أمِيرُ المُؤمِنين بِهِ … وَقَدْ أعَزّ بِهِ الرّحْمَنُ مَنْ نَصَرَا

كمُخدِرٍ من لُيُوثِ الغِيلِ ذي لِبَدٍ … ضِرْغامَةٍ يَحطِمُ الهاماتِ وَالقَصَرَا

تَرَى الأسُودَ لَهُ خُرْساً ضَرَاغِمُها … يَسْجُدْنَ مِنْ فَرَقٍ مِنهُ إذا زَأرَا

مُسْتَأنِسٍ بِلِقاءِ النّاسِ مُغْتَصِبٍ … للألفِ يَأخُذُ مِنْهُ المِقْنَبُ الخَمَرَا

كَأنّمَا يَنْضحُ العَطّارُ كَلْكَلَهُ … وَساعِدَيْهِ بِوَرْسٍ يَخضِبُ الشَّعَرَا

وَمَا فَرِحْتُ ببُرْءٍ مِنْ ضَنى مَرَضٍ … كَفَرْحَةٍ يَوْمَ قالُوا أخبَرَ الخَبَرَا

ألْفَتْحُ عِكْرِمَةُ البَكْرِيُّ خَبّرَنَا … أنّ الرّبِيعَ أبَا مَرْوَانَ قَدْ حَضَرَا

فَقُلْتُ للنّفْسِ: هَذي مُنيَةٌ صَدقتْ … وَقَدْ يُوَافِقُ بَعضُ المُنيَةِ القَدَرَا

كُنّا أُنَاساً بِنَا اللأوَاءُ فَانْفَرَجَتْ … عَن مثلِ مَرْوَانَ بالمصرَينِ أوْ عمرَا

مُشَمِّرٌ يَستَضيءُ المُظْلِمُونَ بِهِ، … يَنْكي العَدُوَّ وَنَستَسقي بهِ المَطرَا

ما النّيلُ يَضْرِبُ بالعِبْرَينِ دارِئَهُ … وَلا الفُرَاتُ إذا آذِيُّهُ زَخَرَا

يَعْلُو أعَاليَ عَانَاتٍ بِمُلْتَطِمٍ، … يُلْقي على سُورِها الزّيتونَ وَالعُشَرَا

تَرَى الصَّرارِيَّ وَالأمَواجُ تَلِطمُهُ، … لَوْ يَسْتَطِيعُ إلى بَرّيةٍ عَبَرَا

إذا عَلَتْهُ ظِلالُ المَوْجِ وَاعْتَرَكَتْ … بِوَاسِقَاتٍ تَرَى في مائِها كَدَرَا

بِمُسْتَطِيعِ نَدَى بِشْرٍ عُبَابُهُمَا … وَلَوْ أعانَهُمَا الزّابُ إذا انْحَدَرَا

لَهُ يَدٌ يَغْلِبُ المُعْطِينَ نَائِلُهَا، … إذا تَرَوّحَ للمَعْرُوفِ أوْ بَكَرَا

تَغْدُو الرّيَاحُ فتُمسي وَهيَ فاتِرَةٌ، … وَأنْتَ ذُو نَائِلٍ يُمْسِي وَما فَتَرَا

تَرَى الرّجَالَ لبِشرٍ وَهْيَ خَاشِعَةٌ … تَخاَشُعَ الطَّيْرِ للْبَازي إِذا انكدَرا.

مِنْ فَوقِ مُرْتَقِبٍ باتتْ شامِيَةٌ … تَلُفّهُ، وَسَمَاءٌ تَنْضحُ الدِّرَرَا

حَتى غَدا لَحِماً من فَوْقِ رَابِيَةٍ، … في لَيْلَةٍ كَفّتِ الأظفارَ وَالبَصَرَا

إذا رَأتْهُ عِتَاقُ الطّيْرِ أوْ سَمِعَتْ … مِنِ هَوِيّاً تَشَظّتْ تَبتغي الوَزَرَا

أصْبَحَ بَعدَ اختلافِ النّاسِ بَيْنَهُمُ … بِآلِ مَرْوَانَ دِينُ الله قَدْ ظَهَرَا

مِنْهُمْ مَساعِرَةُ الشّهباءِ إذ خمدتْ … وَالمُصْطَلوها إذا مَشْبوبُها استَعَرَا

خَلِيفَةُ الله مِنْهُمْ في رَعِيّتِهِ، … يَهْدِي بِهِ الله بَعْدَ الفِتْنَةِ البشرَا

بهِ جَلا الفِتْنَةَ العَمياءَ فانكَشَفَتْ … كَما جَلا الصّبحُ عَنهُ اللّيلَ فانسفَرَا

لَوْ أنّني كنتُ ذا نَفسَينِ إنْ هَلَكَتْ … إحداهُما كانَتِ الأخرَى لمنْ غَبَرَا

إذاً لجِئْتُ على ما كانَ من وَجَلٍ، … وَمَا وَجَدْتُ حِذاراً يغلِبُ القَدَرَا

كُلُّ امْرِىءٍ آمِنٌ للخَوْفِ أمّنَهُ … بِشرُ بنُ مَرْوَانَ وَالمَذعورُ من ذَعرَا

فَرْعٌ تَفَرّعَ في الأعيَاصِ مَنْصِبُهُ، … وَالعامِرَينِ لَهُ العِرْنينُ من مُضرَا

مُعْتَصِبٌ بِرِدَاءِ المُلْكِ، يَتْبَعُهُ … مَوْجٌ تَرَى فَوْقَهُ الرّايَاتِ وَالقَتَرَا

مِنْ كُلّ سَلْهَبَةٍ تَدْمى دَوَابِرُها … مِنَ الوَجا وَفُحولٍ تَنفُضُ العُذَرَا

وَالخَيلُ تُلقي عِتاقَ السَّخلِ مُعجَلةً … لأياً تُبِينُ بِها التّحْجيلَ وَالغُرَرَا

حَوّاً تُمَزِّقُ عَنْها الطّيْرُ أرْدِيَةً، … كغِرْقىء البَيض كَنّتْ تحتَها الشَّعَرَا

شَقَائِقاً مِنْ جِيَادٍ غَيْرِ مُقْرِفَةٍ، … كما شَقَقتُ من العُرْضِيّةِ الطُّرَرَا

يُزَيِّنُ الأرْضَ بِشْرٌ أنْ يَسِيرَ بها، … ولا يَشُدّ إلَيْهِ المُجْرِمُ النّظَرَا