يا ظمي ويحك إني ذو محافظة – الفرزدق

يا ظَمْي وَيْحَكِ إني ذُو مُحافَظَةٍ، … أنْمي إلى مَعْشَرٍ شُمّ الخرَاطِيمِ

مِنْ كخلّ أبْلَجَ كَالدّينَارِ غُرّتُهُ، … مِنْ آلِ حَنظَلَةَ البِيضِ المَطاعيمِ

يا لَيتَ شعريه على قيل الوُشاةِ لَنَا: … أصَرّمَتْ حَبْلَنَا أمْ غَيرَ مَصرومِ؟

أمْ تَنشَحَنّ على الحَرْبِ التي جَرَمتْ … مِني فُؤادَ امرِىءٍ حَرّانَ مَهْيُومِ

أهْلي فِداؤكَ مِن جارٍ عَلى عَرَضٍ، … مُوَدَّعٍ لِفِرَاقٍ غَيرَ مَذْمُومِ

يَوْمَ الَناقَةِ إذْ تُبْدِي نَصِيحَتَهَا … سِرّاً بمُضْطَمِرِ الحاجاتِ مَكْتُومِ

تَقُولُ وَالعِيسُ قَد كانَتْ سَوَالِفُها … دُونَ المَوَارِكِ قد عِيجَتْ بتَقوِيمِ

ألا تَرَى القَوْمَ مِمّا في صُدُورِهِمُ … كَأنّ أوْجُهَهُمْ تُطْلَى بِتَنّومِ

إذا رَأوْكَ،، أطالَ الله غَيرَتَهُمْ، … عَضّوا مِنَ الغَيْظِ أطْرَافَ الأبَاهيمِ

إني بِها وَبِرَأسِ العَينِ مَحْضَرُهَا، … وَأنْتَ نَاءٍ بِجَنْبي رَعْن مقْرُومِ

لا كَيْفَ إلاّ على غَلْبَاءَ دَوْسَرَةٍ … تَأوِي إلى عَيْدَةٍ للرّحْلِ مَلْمُومِ

صَهْبَاءَ قَدْ أخْلفَتْ عامَينِ باذِلَها، … تَلُطّ عَن جاذِبِ الأخلافِ مَعقُومِ

إحْدَى اللّواتي إذا الحَادي تَنَاوَلَها … مَدَّتْ لها شَطَنِ القُودِ العَيَاهِيمِ

حَتى يُرَى وَهُوَ مَحزُومٌ كَأنّ بِهِ … حُمّى المَدِينَةِ أوْ داءً مِنَ المُومِ

صَيْدَاءَ شأمِيّةٍ حَرْفٍ كمُشْتَرِفٍ … إلى الشِّخاصِ من التّضغانِ محْجومِ

أوْ أخُدَريَّ فَلاةٍ ظَلّ مُرْتَبِئاً، … على صَرِيمَةِ أمْرٍ غَيرِ مَقْسُومِ

جَوْنٌ يُؤجِّلُ عَانَاتٍ ويَجْمَعُهَا … حَوْلَ الخُدادَةِ أمْثَال الأنَاعِيمِ

رَعَى بهَا أشهُراً يَقْرُو الخَلاءَ بهَا، … مُعانِقاً للهَوَادي، غَيرَ مَظلُومِ

شَهْرَيْ رَبيعٍ يَلُسّ الرّوْضَ مُونقةً … إلى جُمَادَى بِزَهْرِ النَّوْرِ مَعْمُومِ

بالدَّحْل كُلَّ ظَلامٍ لا تَزَالُ لَهُ … حَشْرَجَةٌ أوْ سَحيلٌ بَعدَ تَدْوِيمِ

حَتى إذا أنْفَضَ البُهْمَى، وَكان لهُ … مِنْ نَاصِلٍ من سَفَاها كالمَخاذِيمِ

تَذَكّرَ الوِرْدَ وَانْضَمّتْ ثَمِيلَتُهُ … في بارِحٍ من نَهارِ النّجمِ مَسْمُومِ

أرَنَّ، وَانْتَظَرَتْهُ أينَ يَعْدِلُهَا، … مُكَدَّحاً، بجَنِينٍ غَيرِ مَهْشُومِ

غَاشي المَخارِمِ ما يَنْفَكّ مُغتَصِباً … زَوْجاتِ آخَرَ في كُرْهٍ وَتَرْغِيمِ

وَظَلّ يَعْدِلُ أيَّ المَوْرِدَينِ لها … أدْنَى بمُنْخَرِقِ القِيعانِ مَسْؤومِ

أضارِجاً، أمْ مياه السِّيفِ يَقرِبُهَا، … كَضَارِبٍ بِقِداَحِ القَسْمِ مَأمُومِ

حتى إذا جَنّ داجي اللّيلِ هَيّجَها … ثَبْتُ الخَبَارِ، وَثُوبٌ للجَرَاثِيمِ

يَلُمّهَا مُقْرِباً، لَوْلا شَكَاسَتُهُ، … يَنفي الجِحاشَ وَيُزْرِي بالمقَاحِيمِ

حتى تَلاقَى بهَا في مُسْي ثَالِثَةٍ … عَيْناً لَدى مَشرَبٍ مِنهُنّ مَعلُومِ

خافَ عَلَيها بَحِيراً قَدْ أعَدّ لهَا … في غامضٍ من تُرَابِ الأرْضِ مَدمومِ

نابي الفرَاشِ طَرِيُّ اللّحمِ مُطْعَمُهُ، … كَأنّ ألْوَاحَهُ ألْوَاحُ مَحصُومِ

عارِي الأشاجعِ مَسعُورٌ أخو قَنصٍ، … فَمَا يَنَامُ بْحيرٌ غَيرَ تَهْوِيمِ

حتى إذا أيْقَنَتْ أنْ لا أنِيسَ لهَا … إلاّ نَئِيمٌ كأصْوَاتِ التّرَاجِيمِ

تَوَرّدَتْ وَهْيَ مُزْوَرٌّ فَرَائِصُهَا … إلى الشّرَايِعِ بِالقُودِ المَقادِيمِ

وَاسْتَرْوَحَتْ تَرْهَبُ الأبْصَار أنّ لها … على القُصَيبَةِ مِنهُ لَيلَ مَشْؤومِ

حتى إذا غَمَرَ الحَوْماتُ أكْرُعَهَا، … وَعَانَقَتْ مُسْتَنِيماتِ العَلاجِيمِ

وَسَاوَرَتْهُ، بألْحَيْهَا، وَمَالَ بِهَا … بَرْدٌ يُخالِطُ أجْوَاقَ الحَلاقِيمِ

نَكَادُ آذانُهَا في المَاءِ يَقْصِفُهَا … بِيضُ المَلاغِيمِ أمْثَالُ الخَواتِيمِ

وَقَدْ تحَرّفَ حتى قَالَ قَدْ فَعَلَتْ، … وَاستَوْضَحتْ صَفَحاتِ القُرَّحِ الهِيمِ

ثمّ انْتَحَى بِشَدِيدِ العَيرِ يَحْفِزُهُ … حَدُّ امرِىءٍ في الهَوَادي غَيرِ محْرُومِ

فَمَرّ مِنْ تَحْتِ ألحَيهَا، وكَانَ لهَا … وَاقٍ إلى قَدَرٍ لا بُدّ مَحْمُومِ

فَانْقَعَرَتْ في سَوَادِ اللّيْلِ يَغصِبُها … بِوَابلٍ من عَمُودِ الشّدّ مَشهومِ

فَآبَ رَامي بَني الحرْمانِ مُلْتَهِفاً … يَمْشِي بِفُوقَينِ مِنْ عُرْيانَ محْطومِ

فَظَلّ مِنْ أسَفٍ، أنْ كانَ أخطأها، … في بَيتِ جوعٍ قَصِيرِ السّمكِ مهدومِ

مَحكانُ شَرُّ فُحولِ النّاسِ كُلّهِمِ، … وَشَرُّ وَالِدَةٍ أُمُّ الفَرَازِيمِ

فحْلانِ لمْ يَلْقَ شَرٌّ مِنْهُمَا وَلَداً، … مِمّنْ تَرَمّزَ بَينَ الهِنْدِ وَالرّومِ

يا مُرّ يا ابنَ سُحَيْمٍ كيْفَ تَشتمني، … عَبْدٌ لِعَبْدٍ لَئِيمِ الخالِ مَكْرُومِ

ما كُنْتَ أوّل عَبْدٍ سَبّ سَادَتَهُ … مُوَلَّعٍ بَينَ تَجْدِيعٍ وَتَصْلِيمِ

تُبْنى بُيُوتُ بَني سَعدٍ، وبَيَتُكمُ … على ذَلِيلٍ مِنَ المَخْزاةِ مَهْدُومِ

فَاهْجُرْ دِيَارَ بَني سَعْدٍ، فَإنّهُمُ … قَوْمٌ على هَوَجٍ فِيهِمُ وَتَهْشِيمِ

من كُلّ أقَعَس كالرّاقُودِ حُجزَتُهُ … مَمْلُوءةٌ مِنْ عَتِيقِ التّمْرِ وَالثّومِ

إذا تَعَشّى عَتِيقَ التّمْرِ قَامَ لَهُ … تَحْتَ الخَمِيلِ عِصَارٌ ذو أضامِيمِ