يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما – حيدر بن سليمان الحلي

يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما … هذا الذي للرزايا لم يدع ألما

رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت … فيه فهوّن ما يأتي وما قدما

ما بال امُّ الليالي فيه قد حملت … فليتها وأبا أيامها عقما

لقد تحكَّم في الدنيا فنال بها … من النواظر والأحشاء ما احتكما

عجَّت ولا كعجيج الموقرات به … وهل تلام وهذا ظهرُها انقصما

مضى الذي طبقتها كفُّه نعماً … فطبقتها الليالي بعده نقما

الآن غودرت الآمال حائمة ً … وأين في الدهر منها من يبل فما؟

وقبَّة ُ المجد قد مالت ولا عجبٌ … فإنَّ أثبت أركان العُلى انهدما

فلينتظم مأتماً عمرُ الزمان لمن … بالصالحات جميعاً عمرُه انتظما

ولتحتلب عينها الدنيا لمن يدُه … كانت حلوبة جودٍ تقتل الأزما

وكيف تسأمُ من دمعٍ تتابعه … ومن متابعة النعماء ما سئما

في الكف ما زرعت حسن الرجاء له … إلا وأمطرها من كفّه كرما

يا آخذاً كلَ قلبٍ في ملامته … دع الملام وشاطرني الدموعَ دما

واقرع بلومك سمعَ الدهر حيث أتى … برنَّة ٍ تركته يشتكى الصمما

طويتَ من يستظلُّ المعدمون به … فليت يا دهرُ قسراً ظلُّك انعدما

هل يعلم الزمنُ الغدّار لا علما … ماذا به هجم المقدارُ لا هجما؟

فأيُّ رزءٍ بأيِّ الناس يكبر في … صدر الأنام سوى هذا الذي دهما؟

أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمُهم … أم في بني العلم فالثاوي أبو العلما؟

أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا … هو الذي جمعت أبراده الأُمما؟

بل كلُّ ميتٍ له ثلمٌ بحوزته … لكنَّ في موته الإسلام قد ثلما

قام النعيُ على “دار السلام”له … فقلت بعدك ليت الكون ما سلما

ما زال بشرُك بالعفين ملتمعاً … حتى تحوَّل في أحشائهم ضرما

وإن بكتك فلا منٌّ عليك لها … بماء جودك جاري جفنها انسجما

هذه الدموع بقايا ماء عيشهم … من فضل ما كنت توليهم عليك همي

إن لم تفض بك عن وجدٍ نفوسهم … فسوف بعدك من قربٍ تفيض ظما

يا راحلاً ولسانُ الحال ينشده … وللمقال لسانٌ بالأسى انعجما

واهاً “أبا المصطفى ” ماذا يقول فمي … وما البلى منك أبقى للجواب فما

الموت حتمٌ وإن كان المنى لك أن … تبقى ولو جاوزت أيامُك الهرما

لكن أتقضى بحيث الشمُّ راغمة ٌ … من أزمة ٍ لم تدع في معطس شمما

هلاّ بقيت لها في هذه السنة الـ … ـشهباء تحفظ من أمجادها الحرما

أحين فيها اقشعر العام وانبعثت … غبراء أمحلت الغيطان والأكما

تمضى وتتركها في عام مسغبة ٍ … فمن لها وإلى مَن تشتكي القحما

أوقتُ موتك هذا والورى حشدت … هذي الخطوب عليها والبلا ارتكما؟

وددت يومك لم يجرِ القضاءُ به … لو كان للوح أنْ يستوقف القلما

حتى تُفرِّج غمّاءَ الجدوب كما … فرَّجت من قبلها أمثالها غمما

أشار ربُّك إرسال العذاب بها … لمّا جنوها ذنوباً تهتك العصما

ففيِّض الماء من أنهارها وطوي … بالموت شخصك عنها والحيا انعدما

مشت بنعشك أهلُ الأرض تحمله … فخفَّ حتى كأن لم يحملوا علما

وما دروا رفعته من كرامته … أهل السماء على أكتافها عظما

لم يرفعوا قدماً إلا وقد وضعتْ … من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما

كأنَّ نعشك محمولٌ به ملكٌ … وخلفه العالمُ الأعلى قد ازدحما

ساروا بها وسماءُ الدمع ترسلها … لك النواظرُ مدراراً ولا سأما

وهبَّ حين التقى ماءُ العيون على … أمرٍ نزا منه قلب الموت واضطرما

فكنت «نوحاً» وكان الفلك نعشك والـ … ـطوفانُ فائرَ دمعٍ أغرق الأُمما

إنْ يحملوك على علمٍ فما حملوا … إلا الركانة والأخطارَ والهمما

أو يدفنوك على علمٍ فما دفنوا … إلا المحاسنَ والأخلاق والشيما

أو ينفضوا الكفَّ من تربٍ به دفنوا … ميتاً فتربُك بالأفواه قد لثما

كأنَّ قبرك فوق الأرض نجمُ سما … أو أنه في ثراه حلَّ نجمُ سما

يا نازلاً حيث لا صوتي يلمُّ به … عليك أمُّ المعالي جزَّت اللمما

واستوقفت بحشاها الركب في جدثٍ … يجود كفك لا بالغيث قد وسما

نادت بشجوٍ خذو لي في حقائبكم … حشاشة ً ملئت من وجدها سقما

قفوا بها واعقروها وانضحوا دمها … على ثرى ً أمس قد واروا به الكرما

وقفت بعدك و”الزوراء” أنشدها … أين الذي كان للاّجين معتصما؟

وأين من يزهر النادي بطلعته … للزائرين ويجلو عنهم الغمما؟

ومن بني لقرى الأضياف دارُ عُلى … عمادُها الفخر فيه طاولت إرما

ومن تُردُّ جميع المشكلات له … إذا القضية أعيا فصلُها الحكما

وأين للشتوة الغبراء مَن كرماً … ما قطَّب العام إلا ثغرهُ ابتسما؟

وأين مَن كان للعافين يلحفها … جناحَ رحمته ما دهرُه أزما؟

لا فرق ما بين أقصاها إذاً نسباً … عنه وما بين أدناه له رحما

وأين مَن ليتامى الناس كان أباً … في بره قد تساوت كلُهم قسما؟

في فقد آبائها لليتم ما عرفت … لكنها عرفت في فقده اليُتما

أحببت في الله كتمان الصنيع ولا … يزداد إلا ظهوراً كلما كتما

من كان يحلف أن لم يعتلق أبداً … إثمٌ ببردك لم يخث ولا أثما

ألا وقتك حشا العافين صائبة ً … ولا وقاءً إذا رامي القضاء رمى

وهو توفّيك شكر المنعمين وقد … طوَّقت حياً وميتاً جيدها نعما؟

بالأمس وجهك يستسقى الغمامُ به … واليوم قبرُك تستسقى به الديما

وكنت ريَّ صداها فاستنبت لها … من ولدت بحاراً للندى فعما

فأين مثلك تلقى الناسُ ذا كرمٍ … ومنك في حالة ما فارقوا الكرما؟

يا غائباً ما جرت في القلب ذكرتُه … إلا ترقرق دمعُ العين وانسجما

لا غرو أن يعقد الإسلامُ حوزته … جميعها مأتما يورى الحشا ضرما

فالثاكل الدينُ والمثكولُ شخصك والـ … ـناعي الهدى والمعزِّي خاتمُ العلما

«محمدٌ حسنٌ» نظم الثناء له … فقلَّ في سلك تقواه من انتظما

سقت ضريحك من جدواك واكفة ٌ … وطفاءُ ترضع درّاً ما الحيا فطما

أعيذ قلبك أن يهفو به حذرٌ … على المكارم أو يغدو لها وجما

طب في ثرى الأرض نفساً لا النديُّ خلا … من الوفود ولا عهدُ الندى انصرما

قامت مقامك فيه فتية ٌ ضربتْ … على السماء لها علياؤها خيما

وكيف يُظلمُ ربعٌ من عُلاك به … “أبو الأمين” سراجٌ يكشف الظلما

بقية ٌ من أبيك «المصطفى » رفعت … به علاه وفيه مجدُه دعما

أحبَّ قربك واستبقاه خالقُه … ركناً تطوف به الآمالُ مستلما

وأنت يا حرم المجد المنيف عُلى ً … لا راعك الدهر واسلم للعُلى حرما

إنْ يوحشنَّك ما من بدرك انكتما … فليؤنسنَّك من نجميه ما نجما

لولا ابنه «المصطفى » للجود قلت شكت … من بعد إنسانها عينُ الرجاء عمى

ندبٌ به فتح المعروفُ ثانية ً … من بعدما بأبيه أولاً حتما

مَن يلقهِ قال هذا في شمائله … “محمدٌ صالحٌ” أن يغتدى علما

حلوُ الخلائق في جيل لهم خلقٌ … لو مازج الكوثر الخلديَّ ما طعما

ما شاهدتْ عظماءُ الأرض هيبته … إلا وطأطأت الأعناق والقمما

والمشتري الحمدَ والأشرافُ أكسبها … لجوهر الحمد أغلاها به قيما

من لو يجود لعافٍ في نقيبته … لم يقرع السنَّ في آثارها ندما

لو قال قومٌ نرى بالجود مشبهه … لقلتُ هاتوا وعدُّوا العرب والعجما

أستغفرُ الله إنْ شبَّهت أنمله … بالقطر منسجماً والبحر ملتطما

نعم حكاه أخوه مَن به ظهرت … مخائلٌ من أبيه تفضح الديما

“محمدٌ” وكفى أن الزمان لنا … عن منظرٍ حسنٍ منه قد ابتسما

إذا بدا سمت الألحاظ ترمقه … تخاله بهلال العيد ملتثما

من لفظه العذب إن شئت التقط درراً … أو فاقتطف زهراً أو فاقتبس حكما

فاهتف بمن مات من أهل العلاء وقل … لولا الردى لا افتضحتم فاشكروا الرجما

قد أطلع المجدُ في أفق العُلى قمراً … يا فرحة الشهب لو تغدو له خدما

أمات نشر مساعيه مساعيكم … حتى انطوت مثلكم تحت الثرى رمما

فلو رآه “زهير” في شبيبته … إذاً لفدّاه واختار الفدا هرما

من دوحة ٍ ما نمت إلا الغصون عُلى ً … وكل غصنٍ بماء المكرمات نما

كارم لها الغيث واستشهد لها بندى … الجواد ثم ارو كيف الغيث قد لؤما

وفاخر البدرَ في لألاء غرَّته … وحكّم الشرف الوضاح والعتما

واصدع بنجم العُلى “الهادي” بطلعته … دجى همومك واستكشف به الغمما

ومن «أمين» الندى فاعقد يديك على … أوفى البريَّة في أوفى الندى ذمما

يا اسرة المجد لا زلتم باسرتكم … عقداً على نحر هذا الدهر منتظما

صبراً بني الحلم إنَّ الحلم منزلة ٌ … حتى لمن منكم لم يبلغ الحلما

وحسبكم «مصطفى » العلياء فهو لكم … نعم الزعيمُ به شمل العُلى التأما