يا حاديَ الظُّعنِ إن جُزتَ المَواقيتا – ابن معصوم المدني

يا حاديَ الظُّعنِ إن جُزتَ المَواقيتا … فحيِّ من بمنى ً والخَيْفِ حُيِّيتا

وسلْ بجمعٍ أجمعُ الشَّمل مؤتَلِفٌ … أم غالَه الدَّهرُ تفريقاً وتَشْتيتاً

والثمْ ثَرى ذلكَ الوادي وحطَّ به … عن الرِّحال تَنلْ يا سعدُ ماشِيتا

عهدي به وثراهُ بالشذا عبقٌ … كالمسك فتَّتهُ الداريُّ تفتيتا

والدرُّ ما زالَ من حَصْبائه خجِلاً … كأنَّ حصباءَه كانت يَواقِيتا

يؤمُّه الوفدُ من عربٍ ومن عَجمٍ … ويسبرونَ له البِيدَ السَّباريتا

يَطوُونَ عَرضَ الفَيافي طولَ ليلهُمُ … لا يهتدون بغيرِ النَّجم خِرِّيتا

من كلِّ منخرق السِّربال تحسبه … إذا تسربلَ بالظَّلماءِ عِفرِيتا

لا يطعم الماء إلاَّ بلَّ غلَّته … ولا يذوقُ سوى سَدِّ الطَّوى قُوتا

يفري جيوب الفلا في كلِّ هاجرة ٍ … يُماثِل الضَبُّ في رَمضائِها الحُوتا

تَرى الحَصى جَمراتٍ من تَلهُّبِها … كأنَّما أوقدتْ في القفر كِبريتا

أجابَ دعوة داعٍ لا مردَّ لها … قضى على النَّاس حجَّ البيت توقيتا

يرجو النَّجاة بيومٍ قد أهاب به … في مَوقفٍ يدَعُ المنطيقَ سِكِّيتا

فسار والعزم يطويه وينشره … ينازلُ البينَ تصبيحاً وتَبْيِيتا

حتى أناخَ على أمِّ القرى سحراً … وقد نَضا الصُّبحُ للظَّلماءِ إصْلِيتا

فقامَ يقرعُ بابَ العَفوِ مُبْتَهلاً … لم يَخشَ غَيرَ عِتابِ الله تبكِيتا

وطافَ بالبيتِ سَبْعاً وانثنى عجِلاً … إلى الصَّفا حاذِراً لِلوَقْت تَفْوِيتا

وراحَ مُلتمساً نيلَ المُنى بِمِنى ً … ولم يَخَفْ حينَ حلَّ الخَيفَ تَعنيتا

وقامَ في عرفاتٍ عارفاً ودعا … ربّاً عوارفُهُ عمَّته تربيتا

وعادَ منها مُفِيضاً وهو مُزْدلِفٌ … يَرجو من اللهِ تمكيناً وتثبيتا

وباتَ للجَمَراتِ الرُّقْش مُلتَقِطاً … كأنَّه لاقِطٌ دُرّاً وياقُوتا

وحين أصبح يومَ النَّحرِ قام ضُحى ً … يُوفي مناسِكَه رَمياً وتَسْبِيتا

وقرَّب الهَديَ تَهدِيهِ شَرائعُهُ … إلى الهُدى ذاكراً للَّهِ تَسْمِيتا

وملأتْهُ ليالي الخَيْفِ بَهجتَها … فحجَّ للدِّين والدُنيا مُواقيتا

حتى إذا كان يومُ النَّفْر نفَّرَهُ … وجدٌ ينكِّثُ في الأحشاء تنكيتا

ثمَّ اغتَدى قاضِياً من حجِّه تَفَثاً … يرجو لتزكية َ الأعمال تزكيتا

وودَّع البيتَ يرجو العودَ ثانية ً … وليتَه عنه طولَ الدَّهرِ مالِيتا

وأمَّ طيبة َ مثوى الطَّيِّبين وقد … ثنى له الشوقُ نحو المصطفى لِيتا

فواصلَ السيرَ لا يَلوي على سَكَنٍ … أزاد حبّاً له أم زاد تمقيتا

حتى رأى القبَّة الخضراءَ حاكية ً … قَصراً من الفَلَك العُلويِّ مَنْحوتا

فقبَّل الأرضَ من أعتابِ ساحتِها … وعفَّر الخدَّ تَعظيماً وتَشْمِيتا

حيث النبوَّة ُ ممدودٌ سُرادِقُها … والمجدُ أنبتَه الرحمنُ تَنْبيتا

مقامُ قدسٍ يحار الواصفون له … ويرجِعُ العقلُ عن عَلْياه مَبْهوتا

لو فاخَرَتْه الطِّباقُ السبعُ لانتكسَتْ … وعادَ كوكبُها الدُّريُّ مَكبُوتا

تَستَوقفُ السَّمعَ والأبصارَ بهجَتُه … ويجمعُ الفضلَ مَشْهوداً ومَنْعوتا

يقولُ زائرُه هاتِ الحديثَ لنا … عن زوره لا عن الزَّوراء أوهيتا

وصف لنا نوره لا نار عادية ٍ … باتت تشبُّ على أيدي مصاليتا

مثوى أجلِّ الورى قدراً وأرحبهم … صدراً وأرفعهم يومَ الثَّنا صِيتا

نبيُّ صدقٍ هدت أنوار غرَّته … بعد العمى للهدى من كان عمِّيتا

وأصبحتْ سُبُلُ الدين الحنيفِ به … عَوامراً بعدَ أن كانت أمارِيتا

أحيا به اللهُّ قوماً قام سعدهم … كما أمات به قوماً طواغيتا

لولاه ما خاطب الرحمان من بشرٍ … ولا أبان لهم ديناً ولا هوتا

له يدٌ لا نُرجِّي غيرَ نائِلهَا … وقاصد البحر لا يرجو الهراميتا

فلو حوت ما حوته السُّحب من كرمٍ … لما سمعت بها للرعد تصويتا

فقل لمن صدَّه عنه غوايته … لو اهتديت إلى سبل الهدى جيتا

ما رام حصر معانيه أخو لسنٍ … إلاَّ وأصبح بادي العيِّ صِمِّيتا

يا أشرفَ الرُّسْلِ والأملاكِ قاطبة ً … ومن به شرَّف الُّله النَّواسيتا

سمعاً لدعوة ناءٍ عنك مكتئبٍ … فكم أغثت كئيباً حين نوديتا

يرجوك في الدِّين والدُّنيا لمقصده … حاشا لراجيك من يأسٍ وحوشيتا

أضحى أسيراً بأرض الهند مغترباً … لم يرجُ مخلصَه إلاَّ إذا شيتا

فنجِّني يا فدتك النفس من بلدٍ … أضحت لقاح العلى فيه مقاليتا

وقد خدمتك من شعري بقافية ٍ … نَبَّتُّ فيها بديعَ القول تَنْبِيتا

وزانها الفكر من سحر البيان بما … أعيا ببابل هاروتاً وماروتا

جلَّت بمدحِكَ عن مِثْلٍ يُقاسُ بها … ومن يقيسُ بنَشْر المسْكِ حِلْتِيتا

عليكَ مِن صلوات الله أشْرفُها … وآلك الغرِّ ما حيُّوا وحييِّتا