يا أخت ناجية بن سامة إنني – الفرزدق

يا أُخْتَ ناجِيَةَ بْنِ سَامَةَ إنّني … أخْشَى عَلَيْكِ بَنيّ إنْ طَلَبُوا دمي

لَنْ يَقْبَلُوا دِيَةً، وَلَيْسُوا، أوْ يَرَوْا … مِني الوَفَاءَ، وَلَنْ يَرَوْهُ بِنُوّمِ

فالمَوْتُ أرْوَحُ مِنْ حَياةٍ هَكَذا، … إنْ أنْتِ منْكِ بِنَائِلٍ لمْ تُنْعِمي

هَلْ أنْتِ رَاجِعَةٌ وَأنْتِ صَحيحَةٌ … لِبَنيَّ شِلْوَ أبِيهِمِ المُتَقَسَّمِ

وَلَقَدْ ضَنِيتُ مِنَ النّساءِ وَلا أرَى … كَضَنىً بِنَفْسِي مِنْكِ أُمَّ الهَيْثَمِ

كَيْفَ السّلامَةُ بَعْدَما تَيّمْتِني، … وَتَرَكْتِ قَلبي مثلَ قَلْبِ الأيْهَمِ

قَطّعْتِ نَفْسي مَا تَجيءُ سَرِيحَة، … وَتَرَكْتِني دَنِفاً، عُرَاقَ الأعظُمِ

وَلَقَدْ رَمِيْتِ إليّ رَمْيَةَ قَاتِلٍ … مِنْ مُقْلَتَيْكِ وَعارِضَيكِ بأسهُمِ

فأصَبْتِ مِنْ كَبِدي حُشاَشَةَ عاشِقٍ، … وَقَتَلْتِني بِسِلاحِ مَنْ لمْ يُكلَمِ

فإذا حَلَفْتِ هُناكَ أنّكِ من دَمي … لَبِرِيئَةٌ فَتَحَلّلي، لا تَأثَمي

وَلَئِنْ حَلَفْتُ على يَدَيكِ لأحلفَنْ … بَيَمِينِ أصْدَقِ، من يمينِكِ، مُقْسِمِ

بِالله رَبِّ الرّافِعِينَ أكُفَّهُمْ، … بَينَ الحَطِيمِ وَبَينَ حَوْضَي زَمْزَمِ

فلأنْتِ مِنْ خَلَلِ الحِجالِ قَتَلْتِني … إذْ نَحْنُ بالحَدَقِ الذّوَارِفِ نَرْتمي

إذْ أنْتِ مُقْبِلَةٌ بِعَيْنَيْ جُؤذَرٍ، … وَبجِيدِ أُمِّ أغَنَّ لَيْسَ بِتَوْأمِ

وَبِوَاضِحٍ رَتَلٍ تَشِفُّ غُرُوبُهُ، … عَذْبٍ، وَأذْلَفَ طَيّبِ المُتَشَمَّمِ

وَكأنّ فَأرَةَ تَاجِرٍ هِنْدِيّةً … سَبَقَتْ إليَّ حَديثَ فيكِ من الفَمِ

مَا فَرّثَتْ كَبِدي مِنِ امْرَأةٍ لَها … عَيْنانِ منْ عَرَبٍ وَلا منْ أعْجَمِ

مِثْلُ التي عَرَضَتْ لنَفْسي حَتْفَهَا … مِنْها بِنَظْرَةِ حُرّتَينِ ومِعْصَمِ

نَاجِيَةٌ، كَرَمٌ أبُوهَا، تَبْتَني … مِنْ غالِبٍ قُبَبَ البِنَاءِ الأعْظَمِ

فَلَئِنْ هيَ احتَسَبَتْ عليّ لقدْ رَأتْ … عَيْنايَ صَرْعَةَ مَيّتٍ لمْ يَسْقمِ

هَلْ أنْتِ بايِعَتي دَمي بِغَلائِهِ، … إنْ أنْتِ زَفْرَةَ عاشِقٍ لمْ تَرْحَمي

ما كُنْتُ غَيرَ رَهِينَةٍ مَحْبُوسَةٍ … بِدَمٍ لأُخْتِ بَني كِنَانَةَ مُسْلِمِ

يا وَيْحَ أُخْتِ بَني كِنَانَةَ إنّها … لَبَخِيلَةٌ بِشِفَاءِ مَنْ لَمْ يُجْرِمِ

فَلَئِنْ سَفَكْتِ دَماً بِغَيرِ جَرِيرَةٍ … لَتُخَلَّدِنّ مَعَ العَذابِ الآلَمِ

وَلئِنْ حَملتِ دَمي عَليكِ لتَحمِلِنْ … ثِقلاً يكُونُ عَلَيْكِ مثلَ يَلَمْلَمِ

وَالنّفْسُ إنْ وَجَبَتْ عَلَيكِ وَجدتِها … عِبئاً يكُونُ عَلَيكِ أثقَلَ مَغْرَمِ

لَوْ كنتِ في كَبِدِ السّماءِ لحَاولَتْ … كَفّايَ مُطَّلَعاً إلَيْكِ بِسُلّمِ

ولأكْتُمَنّ لكِ الّذي اسْتَوْدَعْتِي، … والسّرُّ مُنْتَشِرٌ، إذا لَمْ يُكْتَمِ

هَلْ تَذْكُرِينَ إذِ الرِّكَابُ مُناخَةٌ … بِرِحَالِهَا لِرَوَاحِ أهْلِ المَوْسِمِ

إذْ نَحْنُ نَستَرِقُ الحَديثَ وَفَوْقَنا … مثلُ الضَّبابِ من العَجاجِ الأقتَمِ

إذْ نَحْنُ نُخْبِرُ بالحَوَاجِبِ بَيْنَنَا … ما في النّفُوسِ، وَنَحْنُ لمْ نَتَكَلّمِ

وَلَقَدْ رَأيْتُكِ في المَنَامِ ضَجيعَتي، … وَلَثَمْتُ مِنْ شَفَتَيكِ أطيَبَ مَلثمِ

وَغَدٌ وَبَعْدَ غَدٍ كِلا يَوْمَيْهِمَا … يُبْدي لَكِ الخَبَرَ الّذي لمْ تَعْلَمي

وَالخَيْلُ تَعْلَمُ أنّنَا فُرْسَانُهَا، … وَالعَاطِفُونَ بِهَا ورَاءَ المُسْلَمِ

أسْلابُ يَوْمِ قُرَاقِرٍ كَانَتْ لَنَا … تُهدى وَكلُّ تُرَاثِ أبيضَ خِضرِمِ

تَطأُ الكُماةَ بِنا، وَهُنّ عَوَابِسٌ، … وَطْءَ الحِصَادِ وَهُنّ لَسْنَ بصُيَّمِ

نَعْصِي، إذا كَسَرَ الطّعَانُ رِمَاحَنا، … في المُعَلَمِينَ بكلّ أبْيَضَ مِخْذَمِ

وَإذا الحَديِدُ عَلى الحَديِدِ لَبِسْنَهُ … أخْرَجْنَ نَائِمَةَ الفِرَاخِ الجُثّمِ