هددتموا بالضنا من ليس يرتدع – ابن نباتة المصري
هددتموا بالضنا من ليس يرتدع … هيهات لم يبقَ فيه للضنا طمع
صبًّا تحجب عن عذالة سقماً … فاعجب لمن بعوادي الضر ينتفع
أحبابنا كم أقاسي بعدكم جزعا … لو كان ينفعني من بعدكم جزع
حملتم العين يا أشهى العيان لها … من أدمع وسهادٍ فوق ما تسع
ماءٌ من الجفن يغني روح واحدة ٍ … كأنما السمّ حقا فيه منتقع
يا منعمين بطيفٍ بعد فرقتهم … دعوا التهكم أين الأعين الهجع
كلفتموني مواريثَ الذين قضوا … من الغرام فهل للوصل مرتجع
وعاذلٍ فيكمُ تعبان قلت له … ان كنت أعمى فاني لست أستمع
يخادع السمعَ والاحشاء قائلة ٌ … غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
ليت الثغور جلت برقاً له فرأى … سحائب الدمع وجداً كيف تنهمع
وربّ ظالمة ٍ ما عند مقلتها … لفارشِ الخدّ إلاّ السيف والنطع
يشكو كما يتشكى خصرها سغباً … وجاره الرّدف قد أودى به الشبع
كأنما ينقل البين المشتت لها … دمي فتحمرّ خدّاها وأمتقع
حثت لوشك النوى عيساً تحبّ سرًى … لكنها للأسى بين الحشا تضع
وخادعتني من عرف الحمى سحراً … بالريح والعاشق المسكين ينخدع
كفى دلالك إنّ الصبر طاوعني … وانّ قلبي من كفيك منتزع
لا تبتغي كلماتي اليوم في غزل … فهنّ لابن عليّ في الثنا شيع
والمانح الجزل لا منٌّ ولا ملك … والمانع السرح لا خوفٌ ولا جزع
علا عن المدح حتى ما يهش له … كأنما المدح في أوصافه قزع
يمم حماه إذا ما خفت ضائعة ً … فبابه بالندى كالصدر متسع
وقل لحاسده المغرور مت كمداً … ذاك الجناب صفاه ليس ينصدع
هيّا لك الكرَم الطائي مفترق … للناس والسؤدد القيسيّ مجتمع
باب لبذل اللهى في كل نائبة … مجربٌ وندى في الجدب منتجع
وسيد بالمعالي الغرّ مؤتلفٌ … بالحمد مشتغلٌ بالمجد مطلع
جمّ المناقب يلقى العسر من يده … في المحل ما لقيت من علمه البدع
لو لم يكن نجمه كالسيف منصلتاً … ما راح كلّ قرين وهو منقطع
يهوى المعالي وابكارَ الكلام فما … يزال يفرع أعلاها ويفترع
فتوة ٌ وفتاوٍ لا نظير لها … كأنه في الندى والحكم مخترع
وأنعمٌ قربت عن همة ٍ بعدت … كالشمس يدنو سناها حين ترتفع
لا عيب في لفظه المنظوم جوهره … إلا نوافثُ فيها للنهى خدع
جنَّ الغمام الذي حاكى مكارمه … أما تراه على وجه الثرى يقع
وقالت السمر من يلقى يراعته … منا فأمست كما قد قيل تقترع
صحت امامه أقلامٍ براحته … فأصبحت بخبير الخير تلتفع
تسودّ نقساً وتجلو كلّ داجية ٍ … فهل هي الليل داج أم هي الشمع
يا أشرفَ الخلق أخلاقاً مطهرة ً … وأفضل الناس إن طاروا وان وقعوا
انّ الجماهير قد ذلت رقابهمُ … الى كمالك واستوفاهمُ الهلع
لا تسمعنّ حديث القوم في شرفٍ … حديثُ غيرك موضوعٌ ومتضع
وعصبة تدعي علماً وقد جهلت … أنشقت آنافها نكباء تجتدع
حاكوك شخصاً ولكن ما حكوا رشدا … انَّ المساجد تحكي شكلها البيع
وجحفل لجب تطفو غواربه … كأنما تبّع في اثره تبع
ردّت رداه سهامٌ من دعائك لا … بيضٌ حدادٌ ولا خطية ٌ شرع
يا ابن الكرام الأولى في كل مكرمة ٍ … إن فاخروا فخروا أو قارعوا قرعوا
لا في اليسار مفاريحٌ اذا بلغوا … غايات مجدٍ ولا في أزمة جزع
كم نال سعيهمو جد فما بطروا … فيه وكم نالهم دهرٌ فما خضعوا
من كلّ أروع للأقلام في يده … وللظبا في الوغى والسلم مطلع
تزداد والرمح في جنبيه سورته … كأنما زيدَ في أضلاعه ضلع
وملجأ العلم في أوطانه لفتى ً … للجود والبأس فيه الشهد واللسع
من مبلغٌ عني الأهل الذين نأوا … أني نزيلك لا فقرٌ ولا فزع
مطوق بهباتٍ ساجعٌ بثناً … ينسي الأوائل ماجادوا وما سجعوا
لي بالجنا الحلو في ناديك مرتفقٌ … وبالندى الغمر مصطاف ومرتبع
نعمَ الفتى أنت لا تحنو على نشبٍ … كفاه يوماً ولا تبقي ولا تدع
أجديت حالي ولم تسمع شكايته … من بعد ماضنّ أقوامٌ وقد سمعوا
وجاد فكري بنوع من مدائحه … وللمساكين أيضاً بالندى ولع
بحثت عن وصفك الزاكي فنائله … مسلمٌ ومدى علياك ممتنع
مازلت ترتجع النعمى اليّ الى … ان خلت ان شباب العمر مرتجع
وقلت للخاطبي مدحي بذكر ندى … غيري بأكثر هذا الناس ينخدع