هجرت وطيف خيالها لم يهجر – البحتري
هَجَرَتْ وَطَيفُ خَيَالِهَا لم يَهجُرِ، … وَنأتْ بحاجةِ مُغرَمٍ لمْ يُقْصِرِ
وَدَعَتْ هَوَاكَ بمَوْعِدٍ مُتَيَسّرٍ … يَوْمَ اللّقَاءِ، وَنَائِلٍ مُتَعَذِّرِ
مُسْتَهْتَرٌ بالظّاعِنِينَ، وَفيهِمِ … صَدٌّ يُضَرِّمُ لَوْعَةَ المُسْتَهْتَرِ
تسل المنازل عنهم، وعلة اللوى … دمن دوارس إن تسل لا تخبر
وَمن السّفاهَةِ أن تَظّلّ مُكَفكِفاً … دَمعاً على طَلَلٍ تأبّدَ مُقفِرِ
زَادَتْ بَني يَزْدَادَ، في عَلْيائِهِمْ، … شِيَمٌ كَرُمنَ وأنعُمٌ لم تُكْفَرِ
أقمار مرو الشاهجان إذا دجا … خطب، وأنجم ليلها المستحسر
أحْلاَمُهُمْ قُلَلُ الجِبَالِ رَسَا بها … وَزْنٌ، وأيديهِمْ غِمَارُ الأبحُرِ
فَسَقَتْ عِبيدَ الله، والبَلَدَ الذي … يَحْتَلُّهُ، دِيَمُ الغَمامِ المُغْزِرِ
أمَلٌ يُطِيفُ الرّاغِبُونَ بِظِلّهِ، … وَمَعَاذُ خائِفَةِ القُلُوبِ النُّفّرِ
عَضْبُ العزِيمَةِ لا يَزَالُ مُعَرِّفاً … مَعْرُوفَ عائدَةٍ، وَمُنكَرَ مُنكِرِ
مُتَوَاضِع، وأقَلُّ ما يَعتَدُّهُ … في المَجدِ يُوجبُ نَخوَةَ المُستكبرِ
إنْ يَدنُ يكفِ الغائبينَ، وإن يَغِبْ … لا يَكفِنا منْهُ دُنُوُّ الحُضّرِ
لله ما حَدَتِ الحُداةُ وَمَا سَرَتْ … تَخْدي بهِ قُلُصُ المَهارِي الضُّمّرِ
مُتَقَلْقِلاتٍ بالسّماحةِ والنّدَى، … يَطلُبنَ خَيفَ مِنًى، وَحِنوَ المَشعرِ
حتّى رُمينَ إلى الجِمَارِ ضَحِيّةً، … والرّكبُ بَينَ مُحَلِّقٍ وَمُقَصِّرِ
وَثَنَينَ نَحوَ قُصُورِ يَثرِبَ آخِذاً … مِنهُنّ سَيرُ مُغَلِّسٍ وَمُهَجِّرِ
يَجشَمْنَ مِنْ بُعْدٍ أداءَ تَحِيّةٍ … للقَبْرِ، ثُمّ، ومَسحَةٍ للمِنْبَرِ
حَجٌّ تَقَبّلَهُ الإلَهُ، وأوْبَةٌ … كانَتْ شِفَاءَ جَوًى لَنا وَتَذكُّرِ
نَفْسِي فِدَاؤكَ إنّ شَوْقاً مُفرِطاً … مِن مَعشَرٍ، وَتَولُّهاً من مَعشَرِ
أنَا وَفْدُ نازِلَةِ الشّمالِ لِعِظمِ ما … يَعنِيهِمِ، وَلِسانُ أهلِ العَسكَرِ
قد أُعطِيَتْ بَغدادُ منكَ نهايةَ الـ … ـحَظِّ المُقَدَّمِ، والنّصِيبِ الأوْفَرِ
فاقْسِمْ لسامِرّاءَ قِسمَةَ مُنصِفٍ، … تَجذَلْ قلُوبُ الأوْلِيَاءِ وَتُسرَرِ
ألْمِمْ بقَوْمٍ أنتَ أرْضَى عِندَهُمْ، … وأجَدُّ من عَهدِ الرّبيعِ الأزْهَرِ
مُتَطَلّعينَ إلى لِقَائِكَ، أصْبَحوا … بَينَ المُخَبِّرِ عَنكَ، والمُسْتَخبِرِ
مِنْ وَامقٍ مُتَشَوّقٍ، أوْ آمِلٍ … مُتَشَوّفٍ، أو رَاقِبٍ مُتَنَظّرِ
سَكَنُوا إلَيْكَ سَكُونَهُمْ لو نالهم … جَدْبٌ إلى صَوْبِ السّحابِ المُمطرِ
وَجّهْ رِكَابَكَ مُصْعِداً يَصْعَدْ بِنَا … جِدٌّ ويحْلُ بِما نُروم وَنَظْفَرِ