هجرت كأن الوصل أعقب وحشة – البحتري
هجَرْتَ، كأنّ الوَصْلَ أعقَبَ وحشة ، … ولم أر وصلاً قبله يعقب الهجرَا
فتى مَذحِجٍ عَفواً، فتى مَذحِجٍ غَفَرا، … لمُعْتَذِرٍ جاءَتْ إساءَتُهُ تَتْرَى
وَمَنْ يَهَبُ النَّيلَ الذي سَمَحتْ بهِ … يَداكَ بلا مَنٍّ، فَلَنْ يَمنَعَ العُذْرَا
فإنْ قُلتَ بي كِبْرٌ، فمِثلُ الذي أرَى … على النّاسِ مِنْ نُعمَاكَ يَملأُني كِبرَا
مَوَاهبُ لي منها الغِنى، فمتى التَقَى … بساحَتِها حَمدٌ، فلي حَمدُها طُرَا
تُضَافُ إلى مجْدي، وَتجرِي إلى يَدي، … فأملِكُها مالاً، وَأملِكُها فَخرَا
أتَاني قَرِيضٌ مِنكَ يَحدوهُ نَائِلٌ، … فأنْطَقَني جُوداً، وَأفحَمَني شِعرَا
وعأكسَبَني شُغلاً عنِ الوَصْلِ شاغِلاً … يُعاتِبُني فيهِ، وتَعتَدُّهُ هَجْرَا
فإن كُنْتَ مَشْغُوفاً بقُرْبيَ آنِساً … بشَخصِي، فَلِمْ خَوّلتَني ذلكَ البدرَا
لَئِنْ كَانَ إسعافي بهِ منكَ قَبْلَها … وَفَاءً، لقَد كانَ انفرَادي به غَدرَا
وَمَا هُوَ إلاّ دُرّةٌ لَمْ أجِدْ لها … سوَى جودِكَ الأمسِيّ، إذ بَرَزَتْ بحرَا
حَمَلْتَ عَلَيْهِ في سَبيلِ فُتُوّةٍ، … هيَ الثّغرُ خَلفَ المجدِ بل تفضلُ الثّغرَا
فأنتَ تُصِيبُ الَمجدَ حيثُ تلألأتْ … كَوَاكِبُهُ، إنْ أنتَ لم تُصِبِ الأجرَا
وَجَدْتُ نَداكَ اليَوْمَ ألطَفَ مَوْقعاً، … وَقد كانَ لي خِلاًّ فأصْبَحَ لي صِهْرَا
فإنْ أنا لم أشكُرْكَ نُعماكَ جَاهِداً، … فلا نِلْتُ نُعمَى بَعدَها توجبُ الشكرَا