من أين زرت خيالَ ذاتِ البرقعِ – الشريف المرتضى
من أين زرت خيالَ ذاتِ البرقعِ … والرّكبُ سارٍ في جوانبِ بَلْقَعِ؟
كيف اهتديت ولاصوى ً لولا الهوى … أغراك في جنحِ الظلامِ توضعي؟
ومنَ العجيبة أنْ يُلمَّ مُصحَّحٌ … مادبّ فيه سقامه بالموجعِ
في معشرٍ لهُمُ الثَّرى فُرُشٌ، ولمْ … يَتَوسَّدوا غيرَ الطُّلَى والأذرُعِ
سكنوا قليلاً بعد أن كانوا على … طول الدجى من موجفٍ أو موضعِ
وأصارهم طولُ السُّرى من غير أن … عَرفوا الكلالَ إلى قوائمَ ظُلَّعِ
خوص كأمثال القسى ّ ومالها … يومَ الرِّماية ِ لامرىء من مِنْزَعِ
لم تترك الرّوحات فوق ضلوعها … وقد التَوَيْنَ بهنَّ غيرَ الأضلُعِ
فكأنهن من البلى أشطانها … أو أنسعٌ تمشي إليك بأنسعِ
عجلان قد ولت عسا كره وقد … همَّ الصَّباحُ ورأسُه لم يطلُعِ
رقت غلائله لنا فكأنه … للمبصرين إليه هامة ُ أنزعِ
حيثُ النَّدى ثاوٍ بهِ لم يُفتَقَدْ … والمجدُ مُعتنقٌ به لم يُنزَعِ
والسؤوددُ الضّخمُ الخصمُّ وكلّما … يرويك من بحرا لفخار المترعِ
ولقد فخرتَ على الملوك جميعهم … والطّعنُ يتركُ كلَّ بُرْدِ في الوغى
ومحاسن لم يقطنوا بشعابها … كلا ولا اجتازوا لهن باجرعِ
وبلوتهمْ فسبَقَتَهمْ وفَرَعْتهمْ … فضلاً وأيُّهم عُلا لم يفرعِ
فإذا هُمُ قبِسوا إليك فمثلُ مَنْ … قاسَ الذِّراعَ طويلة ً بالأذرُعِ
للهِ دَرُّك في مقامٍ ضَيِّقٍ … أبدلتَهُ بتفسُّحٍ وتوسُّعِ
بالضَّربِ في هامٍ هناك وأذرُعِ … والطّعن في ثغر هناك وأضلعِ
والخيلُ عادية ٌ بكلِّ مُخفَّفٍ … عار من الجبن اللئيم مشيعِ
ما ريعَ قطُّ ولم يكن في خُطَّة ٍ … نكراءِ إلا كان عزَّ الاروعِ
في غلمة ٍ نبذوا الفرار وهاجروا … في مطمع العلياء كلِّ تودعِ
متهجمين ولاتَ حين تهجمٍ … متسرِّعينَ ولاتَ حينَ تسرُّعِ
لامطعمٌ إلاّ الجميلُ ومالهمْ في … حيث لا يرد الفتى من مكرعِ
حتى رددت الموت عنا مخيباً … مانالَ منْيَتَهُ بأنفٍ أجدَعِ
وأنا الذي لمّا اشتكيت موكلٌ … بي كلُّ أدوءِ الورى لم تقلعِ
ومزعزعٌ تشكو حشاهُ خِيفة ً … ومروعٌ تجري حذاراً أدمعي
ومذ اشتكيتَ فبالحضيضِ مُعَرَّسي … وعلى القَضيض تقلُّبي في مضجعي
ولو أن أمرى نافذٌ في صحتي … لبذلت منها كلّ مالي أو معي
لامتعة ٌ لي بالذي لم تلفه … وبأنْ كُفِيتَ وإن دُهيتُ تمتُّعي
ويهونُ عندي أنْ تكونَ مُصَحَّحاً … ومنَ الضَّنى حِيكَتْ لجسمي أدرُعي
وإذا صَحَحْتَ فكلُّ شيءٍ نافعي … وإذا اعْتلَلْتَ فليس شيءٌ مُقنِعي
حتى أتاح اللهُ الذي لم يشجنا … إلا اجتياز لمام خطب مسرعِ
مازارنا إلاّ كما زارَ الكرَى … بالليل جفن الخائف المتروع
ولقد رمَى الرّحمانُ في أوصالهِ … لمّا أتَى بتبدُّدٍ وتَذَعْذُعِ
وتقطُّعٍ لولا سعادُتك التي … ملأت حريمك كان غير مقطعِ
ولقد نفعت بأن ضررت وكم لنا … نفعٌ يزورُ رباعَنا لم يَنفعِ
ولو ألمعت على ضمير فيك لي … أبصرتَ منهُ تقسُّمي وتروُّعي
وبلابلاً شوهدن لولا أنني … غطَّيتُها بتجمُّلي وتَصنُّعي
فبأيِّ سِرٍّ ما رأيتَ كآبة ً … أم أيُّ قلبٍ فيكَ لم يتطلَّعِ
فاشكرْ جميلاً نلتَه ومُنِحْتَه … فالشّكرُ رَبْطُ تفضُّلٍ وتبرُّعِ
ولو أنني أعطي الخيارَ لكان في … رَبْعٍ حَلَلْتَ تقلُّبي وتربُّعي
واعتضت عندك من شبابٍ فاتني … بمصايرٍ وأواصر لم تجمعِ
وأخذتُ ثاراتي منَ الزَّمنِ الذي … فإذا نطقتُ أبَى عليَّ تكلُّمي
فأحقُّ بابٍ بابُك المعمورُ بي … وعليه طولُ توقفي وتضرعي
فهُوَ العَتادُ لآمنٍ أو خائفٍ … إنْ زارَهُ وهُو المُرادُ لمُزمِعِ
فمتى ألفتُ فمن فِنائك مألفي … وإذا رتعتُ ففي رياضك مَرْتَعي
ولوَ انَّ شملي باتَ مُلتفّاً بهِ … ما كانَ شَمْلي قطُّ بالمتصدِّعِ
وحللتُ عندكَ رُتْبة ً لاتُرتَقَى … في خيرِ منزلة ٍ وأشرفِ موضعِ
ولو استطعت نفضت كل إقامة في … إلاّ على الكَنَفِ الرَّحيبِ الأوسَعِ
في حيثُ لاتَسري الأذاة ُ بمضجعي … طول الحياة ولا القذاة بمدمعي
ولئنْ بَعُدتُ محلَّة ً فتقرُّبي … بتوددي وتشوقي وتطلّعي
ولقد دُعيتُ فما سمعتُ ولم يكنْ … إلاّ نِداؤك وحدَه في مَسمعي
فإذا نطقت أبى على ّ تكلمني … وإذا جرعتُ أبَى عليَّ تجرُّعي
يارافعَ الآدابِ رفِّعني إلى … حيث اقتضاه تصعدي وترفعي
لاتمزجنِّي بالذّين تراهمُ … فالنبع ممزوجٌ بغير الخروع
كم بين قولٍ فيالصدور وقولة ٍ … هبت بها نكباء ريحٍ زعزعِ
وإذا رضيت مقالتي فلهينٌ … مَن صمَّ عنها مُعرِضاً لم يَسمعِ
وإذا رضيت فضيلة لي لم أبل … من نام عنها من عيون الهجَّع
خُذها كما وَضَحَ النّهارُ لمبصرٍ … وافترِّ روض غبَّ غيثٍ مقلعِ
غرّاءَ تحسَبُها نجاحَ لُبانة ٍ … هبت عليك من النواجي النسّعِ
ومتى أرادَ رُواتُها طيّاً لها … نمَّتْ على إحسانِها بتضَوُّعِ
كم لي عليها من حسود شاعرٍ … شَغَفاً بها أو من خطيبٍ مِصْقَعِ
والشِّعرُ ماقُضِيَتْ حقوقٌ جَمَّة ٌ … فيه لسامي الكبرياءِ سَمَيْدَعِ
والخيرُ فيه إذا انزوى عن منكبٍ … والشّرُّ فيه متى يقل في مطمعِ
ولأنت أولى بالقريض من الورى … وبطوقه وبتاجه المترصعِ