مصر – جمال مرسي

أَرسَلْتُ رُوحِي بِمَا يَجرِي بِهِ قَلَمِي … تَحُومُ يا مِصرُ فَوْقَ النِّيلِ و الهَرَمِ

تُعانِقُ الرَّملَ في “سَيْناءَ” ، تَلثُمُهُ … و تَحضِنُ النَّخلَ رمزَ الطُّهرِ و الشَّمَمِ

و تَعزِفُ اللَّحنَ في “بلطيمَ”،تَسمَعُهُ … “طابا” ،فَتَغرَقُ “شَرمُ الشَّيْخِ” في النَّغَمِ

لَمَّا تَرَكتُ رُبوعَ الأهلِ في وَطَنِي … تَخَاصَمَ الجَفنُ و الرُّؤيا ، فَلَم يَنَمِ

كَأَنَّما في نُجُومِ اللَّيلِ قَد رُبِطَتْ … أهدَابُهُ بِحِبالِ الشَّوْقِ و الأَلَمِ

مِصرُ التي سَكَنَتْ فِي خَافِقِي أَبَداً … مهما تَغَرَّبَ جِسمِي أَو نَأَت قَدَمِي

أعودُ للأمسِ في أفياءِ جَنَّتِها … فأنهَلُ الحُبَّ مِن سَلسالِها الشَّبِمِ

و أَسمَعُ الهَمسَ ، هَمسَ النِّيلِ مُنتَشِياً … بَينَ الخُزامَى مَعَ الإِصبَاحِ و الغَسَمِ

و النخلُ يرقصُ في زهوٍ و في طَرَبٍ … رَقصَ الخُيولِ على ترنيمَةِ النَّغَمِ

و التُّوتُ يَحكِي إِلَى الجُمَّيْزِ قِصَّتَهُ … إن باتَ يَشكُو مِنَ الأحزانِ و السَّقَمِ

و البحرُ صافٍ و قاعُ البَحرِ في أَلَقٍ … و الفُلكُ تَجرِي بِأَشواقٍ على نَهَمِ

يا أيُّها البحرُ هل أبصَرتَ قريَتَنا … في بَرِّ مِصرَ و قَد حَيَّتْكَ بالعَلَمِ

كم سَافَرَت عبرَ عَيْنَيْكَ الجُمُوعُ ، فَلَم … تَحفَل بِمَاخِرَةٍ تَكتَظُّ بالنَّسَمِ

كم كُنتَ هَادِئَ طََبعٍ كانَ مُكتَسَباً … من أُمَّةٍ دينُها في شَاهِقِ القِمَمِ

دينٌ على العدلِ قد قامت دعائمهُ … لولا رجالٌ على الإخلاصِ لم يقُمِ

و أَشرَقَت شَمسُ إِيمانٍ و مَعرِفةٍ … بالرِّفقِ و الحَزمِ و القِرطاسِ و القَلَمِ

يا أيُّها الشِّعرُ لا تَهجُرْ مخيَّلتي … قم فاسقني جَوْهَراً مِن صَادقِ الكلِمِ

كي ما أدافعُ بالأشعارِ عَن وَطَنٍ … طَالَت ثَرَاهُ يدُ الأحقادِ و النِّقَمِ

أَرضَ الكِنَانِةِ يا فِردَوْسَ خالقنا … عَينِي تَتُوقُ إلى اللُّقيا ، فَلَم تَنَمِ

لا زِلتِ كالبَدرِ إِشراقاً بِذاكِرَتِي … كَالدُّرِّ فِي عُنُقِ الأَيَّامِ مُنتَظِمِ

تَصبُو إِليكِ قُلوبُ المُغرَمينَ ، كما … تَصبُو إلى الجَنَّةِ العذراءِ في الحُلُمِ

أنتِ العَرُوسُ و قَدْ زَفَّتكِ أَفئِدَةٌ … للنيلِ يا مُهجَتِي فِي ثَوبِ محتشِمِ

أنتِ العروسُ ، لكِ الأرواح نُمهِرُها … كي ما ننالُ الرِّضا يا مَنبعَ الكَرَمِ

حَزَّمتُ أَمتِعَتِي حتّى أَعُودَ إلى … عَينَيكِ أَفدِيِهِمَا يا أُمَّنا بِدَمِي

هل تقبلينَ فتىً قد عَقَّ والدةً … فَجَاءَ يَسكُبُ دَمعَ الحُزنِ و النَّدَمِ ؟