عندليب البيان – جمال مرسي

أَمِيرَ القَوَافِي ، بَشِيرَ النَّدَى … عَبِيرَ الأَقَاحِي ، سَفِيرَ الهُدَى

سَلِيلَ الكِرَامِ ، صَلِيلَ الحُسَامِ … رَفِيعَ المَقامِ ، وَسِيعَ الجَدا

أُنَادِيكَ يا صِنوَ رُوحِي ، و أَدرِي … بِأَنَّكَ أَهلٌ لِهَذا النِّدا

و أُزجِي إِليكَ رَبِيعَ الشُّعُورِ … و أَبعَثُ شَوقِي يَجُوبُ المَدى

يُفَتِّشُ عَنكَ بِقَاعِ البُحُورِ … أَيَا دُرَّةَ البَحرِ و المُنتَدى

و يَسأَلُ عَنكَ ذُرَا الشَّامِخَاتِ … فَفِي الأَوجِ تَسكُنُ مُسْتَفرِدا

تُطِلُّ عَلَينَا بِقَلبٍ رَؤُوُمٍ … و عَينٍ تَجُودُ بِقَطرِ النَّدى

فَلا غَابَ ذِكرُكَ عَن عَاشِقِيكَ … و لا ضَاعَ جَهدُكَ فِيهُمْ سُدى

كَأَنَّكَ يا عَندَلِيبَ البَيَانِ … لِسَانُ الفَصَاحَةِ إِنْ غَرَّدا

كَأَنَّكَ لَحنٌ يَجُوبُ الفَضَاءَ … و بَعدَكَ كُلُّ الغِنَاءِ صَدى

إِذا السَّيفُ أُغمِدَ كُنتَ الخَمِيلَ … و كُنتَ الصَّليلَ إِذا جُرِّدا

و كُنتَ الصَّبُورَ عَلَى النَّائِبَاتِ … و ذَا مِرَّةٍ فَوقَ بَأْسِ العِدا

إِذا رَامَ حَوضَكَ خَصمٌ عَنِيدٌ … سَقَيْتَ خُصُومَكَ كَأسَ الرَّدى

و إِن رَامَ دِفأَكَ قَلبٌ عَمِيدٌ … بَسَطتَ ضُلُوعَكَ كَي يَرقُدا

تَجُودُ بِكُلِّ نَفِيسٍ لَدَيكَ … كَأَنَّ لِكُلِّ نَفِيسٍ يَدا

فَسُبحَانَ مَن بِالضِّياءِ كَسَاكَ … لَهُ صَفوَةٌ يَجتَبِي للنَّدى

و سُبحَانَ مَن قَد حَبَاكَ القَرِيضَ … كَنَهرٍ.. إِذا شاءَ .. لَن يَنفَدا

هُوَ الشِّعرُ يَسكُنُ فِي مُقلَتَيكَ … تُتَوِّجُهُ بِالوَفَا عَسجَدا

تُعيدُ لَهُ بُردَةَ الأَوَّلِينَ … و مَا كَانَ هَمُّكَ أَن تُحمَدا

هُوَ الشِّعرُ طِفلُكَ تَحنُو عَلَيهِ … و تَخشَى عَلَى اْبنِكَ أَن يُوأَدا

تُدَفِّؤُهُ يَا زَكِيَّ الفُؤَادِ … بِقَلبِك خَشيةَ أَن يَبرُدا

فَقُل لِي بِرَبِّكَ مَن لِلقَصِيدِ … إِذا غَابَ عَنهُ الذي جَدَّدا

و أَلبَسَهُ حُلَّةً مِن بَهَاءٍ … و أَنجَاهُ مِن بَطشِ مَن بَدَّدا

أَرَى “هِندَ” تَحكِي ، و” زِيشانَ” تَبكِي … و “دَعدٌ” تريق دَماً أسودا

و وَالِدةٍ لَم تَزَل فِي دِمَاكَ … أُصُولَ الحِكَايَةِ و المُبتَدا

و طِفلٍ بِغَزَّةَ كَم ضَمَّدَتهُ … يَداكَ ، يُصَرِّخُ مُستَنجِدا

و أُختٍ نَذَرتَ لَهَا كُلَّ شِعرٍ … تَذُودُ عَن العِرضِ مُستَأْسِدا

و قَلبي الذي ضَعضَعَتهُ الخُطُوبُ … يُنَادِيكَ عُد فَارِساً ، سَيِّدا

أَتَترُكهُ فِي اصطِرَاعِ العُبابِ … غَرِيقاً يَمُدُّ إِليكَ اليَدا ؟

و تَمضِي وَحِيداً بِدَربِ الشَّقاءِ … و عَهدِي بِقَلبِكَ أَن يُنجِدا

” أَبَا حَفصَ ” : نُورُ القَنَادِيلِ يَخبُو … إِذا لَم يَجِد زَيتَكَ المُوقِدا

و أَنتَ شَهِدتَ المَخَاضَ العَسِيرَ … و شَاهَدتَ يَا “عُمَرُ” المَولِدا

فَكُنتَ الغَيُورَ و كُنتَ الصَّبُورَ … و كُنتَ الحَصُورَ و كُنتَ الفِدا

نَمَا طِفلُنَا بَينَنَا فِي هُدُوءٍ … و نَالَ الصَّدَارةَ و السُّؤدَدا

فلم ينسَ عطفَكَ وهْوَ صغيرٌ … فكيفَ سينساكَ إن يرشُدا

و لَم يَكُ في طَبعِهِ مُذ تَرَبَّى … عَلَى الخَيرِ يَا صَاحِ أَن يَجحَدا

فَعُد و املأِ البيتَ شدواً جميلاً … و لا تُرهِقَنْ جَفنَكَ المُسهَدا