قالت جملتينِ و سافَرَت – جمال مرسي

عزفَت على أوتارِ قلبيَ

من لُحونِكَ يا وطنْ .

كالصُّبحِ جاءَت مِن بعيدٍ

بعدَ ليلٍ

كانَ سافرَ فِي فضاءَاتِ المجرَّةِ

حامِلاً كُلَّ النُّجومِ

لترسمَ الفجرَ الجمِيلَ على عُيونِ القَلبِ

حيثُ غَفَت على كتِفِ الظَّلامِ

و داعَبَت حُلُماً تبرعَمَ فِي الجوانِحِ

مُنذ آلافِ السِّنينْ.

جاءت ” شَجَنْ ” .

جاءَت لتَبعثَ موتَ أَزهَارِي التي شاخَت ،

و عاثَت فِي حدائِقِها الرِّياحْ .

جاءت بأغنِيَةِ الصَّباحْ :

” قُم يا وطَنْ .”

قُم فاغسِلِ الوجهَ الذي نَقَشَت عليهِ

ـ برِيشةِ القَهرِ ـ الضَّياعَ

يدُ الزمنْ .

قُم فاقتُلِ الموتَ الذي فِي القلبِ يبنِي عُشَّهُ .

و على نِياطِ القلبِ يُعلِنُ سطوةَ النمرُوذِ

حِينَ يعِيثُ فِي كُلِّ البَدَنْ .

فاحت مِن الأَطرافِ

مُنذ غدت لتمّوزَ الفرِيسةَ

و الحبِيسةَ

ـ يا فتى الأَحلامِ ـ

رائحةُ العَفَنْ .

ما لي أَراكَ و قد تحجَّرَ وجهُكَ المروِيُّ

مِن نهرِ الحَيَاءِ

تسمَّرَت قدماكَ

و ارتَعَدَت يَدَاك َ

و أَنتَ تحمِلُ بعضَ جُرحِي يا حبِيبِي

قد عرفتُكَ شامِخاً كالنَّخلِ

تضرِبُ فِي الثَّرى جِذراً

و في أُفقِ السَّماءِ يُسافرُ السَّعَفُ الأَبيُّ

لكي يُلامِسَ نجمةً .

لا تستَبِيكَ الرِّيحُ رغمَ عُتُوِّها.

لا يسكُنُ الخوفُ العُروقَ

و لا مدائِنُ عينِكَ البحرِيةُ الشمَّاءُ

عاثَ بها الوَهَنْ .

أنا مِنكَ ،

أَنتَ بناظِريَّ حدائِقُ الرمَّانِ و الليمُونِ ،

في جفنيكَ أَهرُبُ مِن جحيمِ الطائِراتِ

فتُطبِق الأَهدابَ

تحمِي لائِذاً بِتُرابِكَ الذَّهَبيِّ

تمتشقُ الحسامَ

تصُبّ لي كأساً من الشهدِ الزلالِ

فيمَّحِي في داخلي لونُ الحَزَنْ .

أنا مِنكَ أُغنِيةٌ صَداها قد تَردَّدَ

في فضاءِ الكونِ

أَنتَ لِيَ السَّكنْ .

جاءت شَجَنْ .

جاءت و في اليُمنَى شُموعٌ

أَوقَدَتها مِن لهِيبِ الإِنتِظارِ

و باليَسارِ

تناولَت عُشبَ الرَّبِيعِ هَدِيَّةً للجدبِ

في قلبٍ جَفَتهُ الهاطِلاتُ

و عربَدَت فيه الإحَنْ .

صنعَت مِن الحُزنِ المُخيِّمِ في العُيونِ..

مراكِباً للشَّمسِ

قالت جُملَتَينِ و سَافَرَتْ

كنسِيمِ صُبحٍ ،

و ارتَقَت

دَرَجاً إلى العلياءِ حيثُ مكانُها

لِتشِعَّ في أرضِ الخطِيئةِ شمسُها

و تُميطَ عنها مِن أَذى من عربدوا

بشَمالِها و جنوبِها .

قالت كُليماتٍ :

سأتركُ فِيكُمُ النُّورَ الذي أَرسلتُهُ لظلامِكُم

فلتَهنأوا.

و سأتركُ البحرَ الذي عَشِقَتهُ أَجنحةُ النَّوارِسِ

هادِئا .

والموجُ يلثُمُ فِي اشتِياقِ مُسافرٍ لذَوِيهِ

من بعدِ الرُّجوعِ مرافِئا .

و يُعاقِرُ الربَّانَ

و الحِيتانَ و الجُزرَ البعيدةَ والسُّفنْ .

جاءت شَجَن .

جاءت كبَرقٍ خَاطِفٍ خَلَبَ العُيُونَ

و سافَرَت نحوَ البعِيدْ .

نقَشَت رِسالتَها الأَخيرةَ من دُموعِ القلبِ

قالت : لَن أَعُودْ .

طارَت كَعُصفُورٍ طَلِيقٍ

بيدَ أَنَّ أَرِيجَهَا

و صَدَى حدِيثٍ مُمعِنٍ فِي الصِّدقِ

باقٍ فِي الفُؤَادِ

و خالِدٌ عبرَ الزَّمنْ .