متى لاح برق أو بدى طلل قفر – البحتري

متى لاح برق أو بدى طلل قفر … جرى مستهل لا بكيء ولا نزر

وَما الشّوْقُ إلاّ لَوْعَةٌ بَعدَ لَوْعَةٍ، … وَغُزْرٌ منَ الآمَاقِ، يَتبَعُها غُزْرُ

فَلا تَذكُرَا عَهدَ التّصابي، فإنّهُ … تَقَضّى وَلَمْ نَشعُرْ بهِ، ذلكَ العَصْرُ

سَقَى الله عَهْداً من أُناسٍ تَصَرّمتْ … مَوَدّتُهُمْ، إلاّ التّوَهّمُ والذّكرُ

وَفَاءٌ منَ الأيّامِ رَجْعُ حدُوجِهمْ، … كما أنّ تَشرِيدَ الزّمانِ بهمْ غَدْرُ

هَلِ العَيْشُ إلاّ أنْ تُسَاعِفَنَا النّوَى … بوَصْلِ سُعَادٍ، أوْ يُسَاعدَنا الدّهرُ

عَلى أنّها مَا عندها لمُوَاصِلٍ … وِصَالٌ، وَلا عَنها لمُصْطَبِرٍ صَبرُ

إذا ما نَهَى النّاهي، فلَجّ بيَ الهَوَى، … أصاختْ إلى الوَاشِي، فلَجّ بها الهَجرُ

تَوَهّمْتُها ألوَى بأجفانهَا الكَرَى، … كرَى النّوْمِ، أو مالتْ بأعطافها الخَمرُ

لعَمْرُكَ ما الدّنْيا بناقصَةِ الجَدى، … إذا بَقيَ الفَتحُ بنُ خاقَانَ والقَطْرُ

فَتىً لا يَزَالُ، الدّهرَ، حَوْلَ رِباعِهِ … أيَادٍ لَهُ بِيضٌ، وأفنيَةٌ خُضْرُ

أضَاءَ لَنَا أُفْقَ البلادِ، وَكَشّفَتْ … مَشاهدُهُ ما لا يُكَشّفُهُ الفَجرُ

بوَجهٍ هوَ البَدرُ المُنيرُ نَفَى الدّجَى … سَناهُ، وأخلاقٍ هيَ الأنجُمُ الزُّهْرُ

غَمَامُ سَمَاحٍ ما يَغُبُّ لَهُ حَيَا، … وَمِسْعَرُ حَرْبٍ ما يَضِيعُ لهُ وِتْرُ

وَحَارِسُ مُلْكٍ مَا يَزَالُ عَتَادَهُ … مُهَنَّدَةٌ بِيضٌ، وَخَطِّيّةٌ سُمْرُ

يصُونُ بَنُو العَبّاسِ سطوَةَ بأسِهِ، … لشَغْبٍ غَدى يَعتادُ، أو حادِثٍ يَعرُو

يَبيتُ لَهُمْ حَيثُ الأمَانَةُ والتّقَى، … وَيَغدو لَهُمْ حيثُ الكفاَيةُ والنّصرُ

يَعُدُّ انتقاضاً أنْ تُطَاوِلَهُمْ يَدٌ، … وَيَعْتَدُّ وزْراً أنْ يَغُشّهُمُ صَدْرُ

تَوَاضَعَ منْ مَجدٍ، فإن هوَ لم يكنْ … لَهُ الكِبْرُ في أكْفَائِهِ فَلَهُ الكُبْرُ

وَذُو رِعَةٍ لا يَقْبَلُ الدّهرَ خِطّةً، … إذا الحمدُ لم يَدلُلْ عَلَيها وَلاَ الأجْرُ

فِدَاكَ رِجَالٌ باعَدَ المَنْعُ رِفْدَهُمْ، … فلا الخُمسُ وِرْدٌ من نَداهمْ ولا العُشرُ

ألامَتْ سَجَايَاهُمْ، وَضَنّتْ أكُفُّهم، … فإحسانُهُمْ سُوءٌ، وَمَعْرُوفُهُمْ نُكرُ

يكونُ وُفُورُ العِرْضِ هَمّاً دونَهمْ … إذا كانَ هَمُّ القَوْمِ أن يَفِرَ الوَفْرُ

وَلَوْ ضَرَبُوا في المَكْرِمَاتِ بسَهمَةٍ، … لَكَانَ لهمْ فيها اللَّفَا، ولَكَ الكَثرُ

بَقَاءُ المَساعي أنْ تُمَدّ لكَ البقا، … وَعُمْرُ المَعَالي أنْ يَطُولَ بكَ العُمْرُ

لقَدْ كَانَ يَوْمُ النّهرِ يَوْمَ عَظيمةٍ، … أطَلْتَ، وَنَعماءٍ جَرَى بهما النّهرُ

أجَزْتَ عَلَيْهِ عابراً، فَتسَاجلَتْ … أواذِيهِ لَمّا أنْ طَما فَوْقَهُ البَحرُ

وَزَالَتْ أوَاخي الجسرِ، وانهَدَمَتْ بهِ … قَوَاعِدُهُ العُظْمَى، وَمَا ظَلَمَ الجسرُ

تَحَمّلَ حِلْماً مثلَ قُدْسٍ، وَهمّةً … كَرَضْوَى، وَقَدْراً لَيسَ يَعدِلُه قدرُ

ولَوْلا دِفاعُ الله عَنْكَ وَمنّةٌ … عَلَيك، وَفَضْلٌ من مَوَاهِبِهِ غَمْرُ

لأظلَمَتِ الدّنيا، ولانقَضّ حُسنُها، … وَلا نحَتّ من أفنانَها الوَرَقُ الخُضْرُ

وَلَمّا رأيْتَ الخَطْبَ ضَنْكاً سَبِيلُهُ، … وَقد عَظُمَ المَكرُوهُ واستُفْظِعَ الأمرُ

صرَمتَ فلَمْ تَقعُدْ بحَزْمِكَ حيرَةُ الـ … ـمَرُوعِ، وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهبَك الذّعرُ

وَماَ كَانَ ذاكَ الهَوْلُ إلاّ غَيَابَةً، … بَدا طالعاً منْ تَحْتِ ظُلمَتها البَدْرُ

فإنْ نَنْسَ نُعْمَى الله فيكَ فحَظَّنا … أضَعْنا، وإنْ نَشكُرْ فقد وَجَب الشكرُ

أرَاكَ بعَينِ المُكتَسي وَرَقَ الغنى، … بآلائكَ اللاّتي يُعَدّدُها الشّعرُ

وَيُعجبُني فَقرِي إلَيكَ، وَلم يَكُنْ … ليُعجبَني، لَوْلا مَحَبّتُكَ، الفَقْرُ

وَوَالله لا ضَاعَتْ أيَادٍ أتَيْتَهَا … إليّ، وَلا أزْرَى بمَعْرُوفها الكُفْرُ

وَمَا لِيَ عُذْرٌ في جُحُودِكَ نعْمَةً، … وَلَوْ كَانَ لي عُذْرٌ لَمَا حسُنَ العُذْرُ