متى تسألي عن عهده تجديه – البحتري

متى تَسألي عَن عَهْدِهِ تَجِدِيهِ … مَلِيّاً بوَصْلِ الحَبلِ لمْ تَصِليِهِ

يُكَلّفُني عنكِ العَذولُ تَصَبُّراً، … وأعْوَزُ شَيءٍ مَا يُكَلّفُنِيهِ

وَيُحْزِنُكِ اللُّوّامُ لَستُ أُطيعُهُمْ، … وَقَوْلٌ مِنَ الْوَاشِينَِ لَسْتُ أعيهِ

عَلى أنّني أخشَى علَيْهِ، وَأتّقي … زِياداتِ مُغرًى بالحَديثِ يَشِيهِ

عَنَاءُ المُحبّ من عَقابيلِ لَوْعَةٍ، … تَحُلّ قُوَى صَبرِ الفَتَى، وَتَهِيهِ

مُعَلِّلُهُ بالوَعْدِ لَيسَ يَفي بهِ، … وَقَاتِلُهُ بالحُبّ لَيسَ يَدِيهِ

وأهْيَفَ مأخوذٍ من النّفسِ شكلُه، … تَرَى العَينُ ما تَحتَاجُ أجمَعَ فيهِ

وَلَمْ تَنْسَ نَفْسِى ما سُقيتُ بكَفّهِ … من الرّاحِ، إلاّ ما سُقيتُ بفِيهِ

أرَى غَفْلَةَ الأيّامِ إعطاءَ مانعٍ … يُصيبُكَ أحْيَانَاً، وَحِلْمَ سَفيهِ

إذا مَا نَسَبتَ الحادِثَاتِ وَجَدْتَها … بَناتِ الزّمانِ أُرْصِدَتْ لِبَنِيهِ

متى أرَتِ الدّنْيا نَبَاهَةَ خامِلٍ، … فَلا تَرْتَقِبْ إلاّ خُمُولَ نَبيهِ

ومَا رَدّ صَرْفَ الدّهْرِ مثلُ مُهَذَّبٍ … أبَى الدّهْرُ أنْ يأتي لَهُ بشَبيهِ

أبُو غالبٍ بالجُودِ يَذكُرُ وَاجبي، … إذا ما غَبيّ البَاخِلِينَ نَسيهِ

تَطُولُ يَداهُ عندَ أوْسَعِ سَعْيِهِمْ … ذوِي الطَّوْلِ من أكْفائِهِ، وَذوِيهِ

إذا ما تَوَجّهْنَا بهِ في مُلِمّةٍ، … فَلَجْنا بوَجْهٍ في الكِرَامِ وَجيهِ

تَقَيّلَ مِنْ آلِ المُدَبِّرِ سَيّداً، … يَقُودُ إلى العَلْيَاءِ مُتّبِعيهِ

وَمَا تابعٌ في المَجدِ نَهجَ عَدُوّهِ، … كمُتّبعٍ في المَجْدِ نَهْجَ أبيهِ

يُذلّلُ صَعبَ الأمرِ حينَ يَرُوضُهُ، … وَيَحْفَظُ أقصَى الأمرِ، حينَ يَليهِ

جَديدُ الشّبابِ كِبْرُهُ بِفَعالِهِ، … وَبَعضُ الرّجالِ كُبْرُهُُ بسِنيهِ

مَخيلَةُ حِلْمٍ في النّدِيّ كأنّها، … إذا اشتَهَرَتْ منهُ، مخيلَةُ تِيهِ

إذا باتَ يُعطي والسّماحِ حَليفَهُ، … تَوَهّمَ يَعطُو بالسَّماحِ أخيهِ

فِداكَ من الأسواءِ مَنْ بِتَّ مُسمحاً … بِمَالِكَ تَفْدي مَالَهُ، وَتقيهِ

حَلاَوَةُ لا في نَفْسِهِ جِدُّ صَدْقَةٍ، … وَطَعمُ نَعَمْ في فيهِ جِدُّ كَرِيهِ

وَمُطّلِبٌ منكَ المُساماةَ لم تَزَلْ … أُلُوفُكَ، حتّى أجحَفَتْ بمِئيهِ

وَلَوْ كان يَبغي مَوْضعَ الجُودِ لاكتَفى … بمُسمِعِهِ أينَ النَّدىَ، وَمُرِيهِ

فإيهِ لكَ الخَيرَاتُ من سَيبِكَ الذي … غَمَرَتْ بهِ سَيْبَ المُساجِلِ، إيهِ