ما للدموعِ ترومُ كلَّ مرامِ – أبو تمام

ما للدموعِ ترومُ كلَّ مرامِ … والجفنُ ثاكلُ هجعة ٍ ومنامِ

يا حُفرة َ المعصومِ تربكِ مودعٌ … ماءَ الحياة ِ وقاتلُ الإعدامِ

إنَّ الصفائح منكِ قد نضدتْ على … ملقى عظامٍ لوْ علمتِ عظامِ

فَتَقَ المَدَامِعَ أَنَّ لَحْدَكِ حَلَّه … سكنُ الزمان وممسكُ الأيامِ

ومصرفُ الملكِ الجموح كأنهُ … قدْ زمَّ مصعبه لهُ بزمامِ

هَدَمَتْ صُرُوفُ المَوْتِ أرفَعَ حائطٍ … ضُربَتْ دَعَائِمُه على الإِسلامِ

دخَلَتْ على مَلِكِ المُلُوك رَوَاقَهُ … وتشزنتْ لمقومِ القوَّامِ

مفتاحُ كل مدينة ٍ قدْ أبهمتْ … غلقاً ومخلي كلِّ دارِ مُقامِ

ومُعرِّفُ الخلفاءِ أنَّ حظُوظها … في حَيز الإِسَراجِ والإِلجَامِ

أَخَذَ الخِلافَة َ عَنْ أسِنَّتِه التي … مَنَعَتْ حِمَى الآَباءِ والأعمَامِ

فلسورة ِ الأنفالِ في ميراثهِ … آثارُها ولسورة الأنعامِ

ما دامَ هارونُ الخليفة َ فالهدى … في غِبْطَة ٍ مَوْصَولة ٍ بدَاومِ

إنا رحلنا واثقين بواثقٍ … بالله شَمْسِ ضُحًى وَبَدْرِ تَمَامِ

للهِ أيُّ حياة ٍ انبعثتْ لنا … يَوْمَ الخَمِيس وبَعْدَ أي حِمَامِ

أودى بخير إمامٍ اضطربتْ بهِ … شُعَبُ الرَّجَال وقَامَ خيْرُ إمامِ

تِلْكَ الرّزيَّة ُ لا رزيَّة َ مِثْلُها … والقِسْمُ ليسَ كسَائِر الأقسَامِ

أو يٌفتَقَدْ ذُو النُّون في الهيْجَا فقَدْ … دَفَعَ الإِلَهُ لنَا عَن الصَّمصَامِ

أو جبَّ منا غاربٌ غدواً فقدْ … رحنَا بأتمكِ ذروة ٍ وسنام

هَلْ غَيْرُ بُؤْسَى سَاعة ٍ ألبَسْتَها … بنداكَ ما لبستْ مِنَ الإنعامِ

نَقْضٌ كَرَجْعِ الطَّرْفِ قَدْ أبرمْتَه … يا ابنَ الخَلائِفِ أيَّما إبْرَامِ

ما إن رأى الأقوامُ شمساً قبلَها … أفلَتْ فلمْ تُعقبهمُ بظلامِ

أكرمْ بيَوْمِهِمُ الذي مُلكْتَهُمْ … في صدرِهِ وبعامهمْ منْ عامِ

لو لمْ يكنْ بدعاً لقدْ نصبوا له … سمة ً يبينُ بها منَ الأعوامِ

لغدوا وذاكَ الحولُ حولُ عبادة ٍ … فِيهِمْ وذَاكَ الشَّهْرُ شَهْرُ صِيَامِ

لما دعوتُهمُ لأخذِ عهودهِمْ … طارَ السرورُ بمعرقٍ وشآمِ

فكانَّ هذا قادِمٌ مِنْ غَيْبَة ٍ … وكأنَّ ذاكَ مبشرٌ بغلامِ

قسمتْ أميرَ المؤمنين قلوبُهُمْ … بَيْنَ المحبَّة ِ فيكَ والإِعظَامِ

شُرِحَتْ بِدَوْلَتِكَ الصُّدُورُ وأَصبَحَتْ … خشعُ العيونِ إليكَ وهيَ سوام

ما أَحسِبُ القَمَرَ المُنيرَ إذا بَدَا … بدراً بأضوأ منكَ في الأوهامِ

هِيَ بَيْعَة ُ الرضْوَانِ يُشْرَعُ وَسْطَها … بابُ السَّلامة ِ فادْخُلوا بِسَلامِ

والمركبُ المنجي فمنْ يعدلْ بهِ … يَرْكَبْ جَمُوحاً غَير ذَاتِ لجامِ

يتبعُ هواهُ ولا لقاح لرهطِهِ … بسلٌ وليستْ أرضُهُ بحرامِ

وعِبَادَة ُ الأهوَاءِ في تَطْويحِها … بالدين فوْقَ عِبَادَة ِ الأصنَامِ

إِنَّ الخِلاَفَة َ أَصَبَحَتْ حُجُرَاتُها … ضربَتْ على ضخم الهمومِ همامِ

ملكٌ يرى الدنيا بأيسرِ لحظة ٍ … ويرى التقى رحماً من الأرحامِ

لا قدحَ في عودِ الإمامة ِ بعدما … متَّتْ إليكَ بِحُرْمَة ٍ وَذِمَامِ

هَيْهَاتَ تلكَ قلادة ُ اللَّهِ التي … ماكانَ يَتركُها بغيرِ نظَامِ

إرْثُ النَّبِي وجَمْرَة ُ المُلْكِ التي … لم تخلُ من لهبٍ بكمْ وضرامِ

مَذْخُورَة ٌ أحرَزْتَها بِحُكُومَة ٍ … للهِ تَعْلُو أَرْؤُسَ الحُكَّامِ

لَسْنَا مُريدِي حُجَّة ٍ نشفي بِهَا … من ريبة ٍ سقماً من الأسقامِ

والصَّبْرُ بالأرْوَاحِ يُعْرَفُ فَضْلُهُ … مِنْ غيرِهِ ابتُغِيَتْ ولا أعلاَمِ

فَأَقِمْ مُخَالِفَنَا بِكل مُقَوَّمٍ … واحسِمْ مُغانِدَنا بكل حُسَامِ

… صبرُ الملوكِ وليسَ بالاجسامِ

لا تدهنوا في حكمِهِ فالبحرُ قدْ … تردي غوارِبهُ وليسَ بطامِ

يابنَ الكَوَاكِب من أئمَّة ِ هاشِمٍ … والرَّجَّحِ الأحسابِ والأحلامِ

أهدى إليكَ الشعْرَ كُلُّ مُفَهَّهٍ … خطلٍ وسدَّدَ فيكَ كلُّ عبامِ

غَرَضُ المدِيح تقَارَبَتْ آفاقُه … ورمى فقرطسَ فيه غيرُ الرامي