ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ – الياس أبو شبكة

ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ … إِمّا اِستَبَدَّ بِهِ طَغامُ بِلادِهِ

صَدَمَتهُ عاصِفَةُ الزَمانِ فَقَوَّضَت … بَيتاً بِناهُ عَلى رَجاءِ فُؤادِهِ

بَيتاً أَوَت فيهِ مَواكِبُ وَحيِه … وَتَمَشَّت الأَحلامُ بَينَ عِمادِهِ

قَصَدَته آمالُ الشَبابِ وَطالَما … كانَت عَذارى الحُبِّ من قُصّادِهِ

حَوِّل عُيونَك عَن مُشاهِدِه فَلَم … تُبقِ الحَوادِثُ مِنهُ غَير رَمادِهِ

ما شادَهُ ربُّ التَساهُل وَالوَفا … إِلّا لِيَهدِمَهُ عَلى عبّادِهِ

أَوَلَستَ تَسمَعُ كَيفَ يُنشَد مثخنٌ … تَتَصاعدُ الزَفراتُ مِن إِنشادِهِ

هذا فُؤادي تُستَباحُ دِماؤُهُ … مُستَقطراتٍ من جِراحِ ودادِهِ

قالَ الحسودُ غداةَ أَبصَرَ مَدمَعي … يَجري بِهِ بَصَري بِملءِ سوادِهِ

هذا ضَعيفٌ لا يَميلُ بِهِ الهَوى … إِلّا وَيعزفه عَلى أَعوادِهِ

يا عاذِلي لَيسَ اِعتِقادُك مُحكَماً … بِالشاعِرِ الباكي عَلى أَمجادِهِ

فَالشِعرُ لَو أَدرَكتَ وَحي حَقيقَة … وَالشاعِرُ الرَسّامُ طوعُ قِيادِهِ

لي مَوطِنٌ عاثَت بِهِ أَولادُهُ … فَبَكَت حُشاشَتُهُ عَلى أَولادِهِ

يَحيا أَمامَ عُيونَهُ جَلّادُه … وَيَموتُ لاثمَ قَبضَتي جَلّادِهِ

نَظّارُهُ وَهُمُ شعاعُ عُيونه … يَتَطَوَّعونَ اليَومَ لاِستِعبادِهِ

جُبَناءُ لا يَتَقَيَّأونَ بِحُكمِهِم … إِلّا مُراعاةً لَدى أَسيادِهِ

لا بَأسَ عِندَهُم إِذا لَعِبت بِهِ … أَفرادُه وَأذاهُ من أَفرادِهِ

فَهم الذِئابُ وَفي سَبيل وَظيفَةٍ … تَمشي أَظافِرُهُم عَلى أَكبادِهِ

لَهفي عَلى وَطَنٍ تُضامُ أُباتُهُ … وَيَسودُ فيهِ النَذلُ بِاِستِبدادِهِ

لَبِستُ غَرابيبُ الغِنى أَبرادَه … وَتَجَنَّدَ المُثريُّ لاِستِشهادِهِ

في مَوطِني شَعبٌ يَبيعُ بِفضَّةٍ … شَعباً يُقيمُ عَلى رُبى أَجدادِهِ

يَجتَرُّ عَن ظَمَأٍ نطافَ دمائِه … وَيريشُ نبلته عَلى أَجسادِهِ

مَن يَستَرِق قَوماً يَعيشُ بِمالِهم … فَلتَبصُقِ الدُنيا عَلى أَلحادِهِ

اعروسَ شعري يا صَدى قَلبي الَّذي … حالَت عَبيدُ الظُلمِ دونَ جِهادِهِ

كوني شُعاعاً في سَراج صَبابَتي … فَالناسُ عامِلَة عَلى إِخمادِهِ

كوني حُساماً لا يَملُّ غرابُه … لِتَخُلِّصي المَسجونَ من أَصفادِهِ

وَاِمشي بِأَعصابِ الحَقودِ وَأَضرِمي … نارَ السَلامِ تدبُّ في أَحقادِهِ

وَتَبَسَّمي لدمٍ أُذوِّبه على … قَلَمي الَّذي خَلَّدَتهُ بِمدادِهِ

وَكَما هَديتِ أَبا نواس إِلى العلى … فَاِهدي فُؤادي فهوَ من أَحفادِهِ

في صَوتِكِ الساجي لبانة عامِل … يَسمو بِها في الحُزنِ عَن أَضدادِهِ

ما لامَسَت قَلبي سحابَةُ علةٍ … إِلّا وَكانَ غناكِ من عَوّادِهِ

أَعروسُ شِعري في بِلادي نزوَةٌ … سَلَبت مِن المَفئودِ عذبَ رُقادِهِ

لُبنانُ يرضى شوكِه تاجاً لَهُ … وَيُذيبُ نقمتهُ على أَورادِهِ

كَم في رُبى لبنان من مُتَشاعرٍ … نامي الفَسادَ مُفاخِرٍ بِفَسادِهِ

يملي الَّذي أَملاهُ غَيرُ يراعه … وَيَقولُ ذا شعري ووحيُ رشادِهِ

أَيَعيشُ في الماضي وَيَترك غَيرَه … يَبني الجَديدَ عَلى رُسومِ بِلادِهِ

وَيُفاخِرونَ بِهِ لِأَنَّ نسيجَه … كَنَسيجِهِم وَمُرادُهُم كَمُرادِهِ

فَهم الَّذين يُقَدِّسونَ قَديمَهُم … لا يَترُكونَ الرَثَّ من أَبرادِهِ

لا يَفتَأونَ يردّدونَ بِجَهلِهِم … ما تنتنُ الآذانُ من تردادِهِ

أَينَ الأُلى رَفَعوا أَريكَةَ عزِّه … وَبَنوا مَغاني المَجد فَوقَ نجادِهِ

الجالِسونَ عَلى عروشِ جَلالِهِ … وَالمالكونَ عَلى ذُرى أَطوادِهِ

اللابسونَ بسطوةٍ أَبرادَهُ … وَالمُضرِمونَ البَأسَ في أَجنادِهِ

ذَهَبوا وقد بَذروا سَنابِل زرعِهِم … فَتَسارَعَت غِربانُنا لِحِصادِهِ