ما أنت للكلف المشوق بصاحب – البحتري
ما أنتَ، للكَلِفِ المَشُوقِ، بصَاحِبِ، … فاذهَبْ على مَهَلٍ، فَليسَ بِذاهِبِ
عَرَفَ الدّيارَ، وقد سَئِمنَ من البِلَى، … وَمَللْنَ مِنْ سُقيا السّحابِ الصّائبِ
فأرَاكَ جَهْلَ الشّوْقِ بَينَ مَعالِمٍ … منهَا، وَجِدَّ الدّمعِ بَينَ مَلاعِبِ
وَيَزِيدُهُ وَحْشاً تَقارُضُ وَحْشِهَا … وَصْلَينِ بَينَ أحِبّةٍ وَحَبَائِبِ
تَرْعَى السّهُولَةَ، وَالحزُونُ يَقينَهَا … حَدّينِ: بين أظَافِرٍ وَمَخَالِبِ
لَمْ يَمْشِ وَاشٍ بَيْنَهنّ، وَلا دَعا … بَيْناً لَهُنّ صَدَى الغُرَابِ النّاعِبِ
مَا كانَ أحسَنَ هَذِهِ مِنْ وَقْفَةٍ، … لوْ كانَ ذاكَ السّرْبُ سِرْبَ كَوَاعبِ
هَل كنتَ، لوْلا بَينُهمْ، مُتَوَهّماً … أنّ امْرَأً يُشجيهِ بَينُ مُحَارِبِ
عَمرِي، لقد ظَلَمتْ ظَلومُ، ولم تَجُدْ، … لِمُعَذَّلٍ فيهَا، بوَعْدٍ كاذِبِ
صَدّتْ مُجَانِبَةً، وَخَلّفني الهَوَى … عن هَجرِها فوصَلتُ غيرَ مُجَانِبِ
وَإذا رَجَوْتُ ثَنَتْ رَجائيَ شَكتّةٌ … مِنْ عاتِبٍ في الحُبّ، غَيرِ مُعاتِبِ
لوْ كانَ ذَنْبي غَيرَ حُبّكِ أنّهُ … ذَنْبي إلَيكِ، لكُنتُ أوّلَ تَائِبِ
سأرُوضُ قَلبي، أوْ يروح مُباعِداً … لِمُبَاعِدٍ، وَمُقارِباً لمُقارِبِ
فإذا رَأيْتُ الهَجرَ ضَرْبَةَ لازِبٍ … يَوْماً، رَأيتُ الصّبرَ ضَرْبةَ لازِبِ
وَشَمَائِلِ الحَسَنِ بنِ وَهْبٍ، إنّها … في المَجدِ ذاتُ شَمائِلٍ وَجَنَائِبِ
لِيُقَصّرَنّ لَجَاجُ شَوْقٍ غالب، … وَلْيُقْصَرَنّ لَجَاجُ دَمْعٍ سَاكِبِ
فالعَزْمُ يَقْتُلُ كُلّ سُقْمٍ قَاتِلٍ، … وَالبُعْدُ يَغْلِبُ كُلّ وَجْدٍ غالِبِ
ولَقَدْ بَعَثْتُ العِيسَ تَحمِلُ هِمّةً … أنضَتْ عَزَائمَ أرْكْبٍ وَرَكائِبِ
يُشْرِقْنَ باللّيْلِ التّمَامِ، طَوَالِعاً … مِنْهُ على نَجْمِ العرَاقِ الثّاقِبِ
يَمْتُتْنَ بالقُرْبَى إلَيْهِ، وعِندَه … فِعْلُ القَرِيبِ، وَهُنّ غَيرُ قَرَائِبِ
وَإذا رَأيْتُ أبَا عَليٍّ، فَالعلا … لمَشَارِقٍ مِنْ سَيْبِهِ، وَمَغارِبِ
يبْدُو، فَيعِربُ آخِرٌ عَنْ أوّلٍ … مِنْهُ، وَيُخبر شَاهدٌ عن غائِبِ
بِطَرَائِقٍ كَطَرَائِقٍ، وخَلائِقٍ … كَخَلائِقٍ، وَضَرَائِبٍ كَضَرَائِبِ
وَمَوَاهِبٍ كَعْبِيّةٍ وَهْبِيّةٍ … يُوجِبْنَ في الإفْضال فَوْقَ الوَاجبِ
يَعْلُو على عَلَةٍ بِوَفْدِ أُبُوّةٍ، … يُتَوَهّمُونَ هُنَاكَ وَفْد َكَوَاكِبِ
كَانُوا بذاكَ عُصَابَةً كَعَصَائِبٍ … في مَذحِجٍ، وَذُؤابَةً كَذَوَائِبِ
وَأرَى التّكَرّمَ، في الرّجال، تَكَارُماً، … ما لمْ يَكُنْ بِمَنَاسِبٍ وَمَنَاصِبِ
يَرْمي العَوَاذِلُ في النَّدى مِنْ جانِبٍ … عَنْهُ، وَيَرْمِيهِ النَّدَى مِنْ جانِبِ
حتّى يَرُوحَ مُتَارِكاً كَمُعَارِكٍ … بجَميعِهِ، وَمُسالِماً كمُحارِبِ
قَهَرَ الأُمُورَ بَديهَةً كَرَوِيّةٍ … مِنْ حازم، وَقَرِيحَةً كَتَجارِبِ
كل الخُطوبُ، وَقد خَطَبنَ لِقاءَهُ، … فَرَجَعْنَ في إخفاقِ ظَنٍّ خَايِبِ
هُتِكَتْ غَيَابَتُها بأبْيَضَ مَاجِدٍ، … فكَأنّمَا هُتِكَتْ بأبْيَضَ قَاضِبِ
فَهْمٌ أرقُّ مِنَ الشّرَابِ، وَفِطْنَةٌ … رَدّتْ أقاصِي الغَيْبِ رَدَّ الهَارِبِ
وَمَكَارِمٌ مَعْمُورَةٌ بِصَنَائِعٍ، … فَكَأنّهَا مَمْطُورَةٌ بسَحَائِبِ
وَغَرَائِبٌ في الجُودِ، تَعْلَمُ أنّهَا … مِنْ عالِمٍ، أوْ شاعرٍ، أوْ كاتِبِ
لله أنْتَ، وأنْتَ تُحرِزُ وَاهباً … سَبْقَينِ: سَبْقَ مَحاسِنٍ وَمَوَاهبِ
في تَوْبَةٍ مِنْ تَائِبٍ، أوْ رَهْبَةٍ … مِنْ رَاهبٍ، أوْ رَغبَةٍ مِنْ رَاغبِ
أعْطَيْتَ سَائِلَكَ المُحَسَّدَ سُؤلَهُ، … وَطَلَبْتَ بالمعرُوفِ غَيرَ الطّالِبِ
عَلمتَني الطّلَبَ الشّرِيفَ، وَرُبّمَا … كُنتُ الوَضِيعَ مِنِ اتّضَاعِ مَطالبي
وَأرَيْتَني أنّ السّؤالَ مَحَلّةٌ، … فيها اخْتِلافُ مَنَازِلٍ وَمَرَاتِبِ
وَبَسَطْتَ لي قَبلَ النّوَالِ عِنَايَةً، … بَسَطَتْ مَسَافَةَ لحظَيَ المُتَقَارِبِ
وعرَفْتُ وِدّكَ في شَيعَتي تعصب، … وَوُجُوهِ اخْوَاني وَعَطْفِ أقارِبي
فَلَئِنْ شَكَرْتُكَ، إنّني لمُعَذَّرٌ … في وَاجِبٍ، وَمُقَصِّرٌ عَنْ وَاجِبِ